صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

الشأن الايراني خرج من الغرف المغلقة

في الاسبوع الذي سقطت فيه عشرات صواريخ الكاتيوشا في الجنوب واضطر أكثر من مليون مواطن الى البقاء في الملاجىء بسبب اطلاق صواريخ من قطاع غزة، تغرق اسرائيل في جدل آخر، في حرب في المستقبل نظرية، مع ايران. ان ما بدأ باعتباره نقاشا مبدئيا وموضوعيا في مزايا الهجوم الاسرائيلي ونقائصه في الأساس، على المنشآت الذرية الايرانية أصبح، وبأقصى سرعة، مسألة مناكفة سياسية بين الائتلاف والمعارضة. وأمس استُبدل بالجدل ثرثرة لاسمها في حين ألمح مسؤولو الثمانية الكبار علنا الى امكانات اجراء عسكري.
بعد شهرين من المقالات والتحليلات في صحيفة ‘هآرتس’ وصحف اخرى، ارتفع النقاش الاعلامي مرتبة اخرى حينما نشر ناحوم برنياع في صحيفة ‘يديعوت احرونوت’ في يوم الجمعة الاخير عمودا صحفيا عنوانه ‘ضغط ذري’ وأخرج نقاش الشأن الايراني من الغرف المغلقة الى وسط التناول الاعلامي. وأصبح من الشرعي فجأة ان يُسأل هل ينوي رئيس الحكومة ووزير الدفاع مهاجمة ايران في المدة القريبة ودخلت الساحة السياسية في دوار.
ان تأييد بنيامين نتنياهو واهود باراك المبدئي للهجوم معلوم، ومثله ايضا المعارضة الشاملة لقادة أذرع الأمن. وقد أصبحت ايران مرة اخرى في المركز بسبب تداخل جداول زمنية دبلوماسية وعملياتية الى جانب مصابيح تحذير أُضيئت في الولايات المتحدة وفي اوروبا بسبب نوايا اسرائيل.
لا اختلاف بين الجهات الاستخبارية في الغرب في ان برنامج ايران الذري ما يزال يتقدم. وقد جعلت جهود ذات شأن نُسب بعضها في وسائل الاعلام الاجنبية الى اسرائيل، جعلت الايرانيين يخسرون سنين ثمينة وتبين وهم التنبؤات الكئيبة بقنبلة ايرانية في 2006 أو 2007. لكن اجهزة الاستخبارات تقول الآن انه استمر سنتان أو ثلاث منذ اللحظة التي يستقر فيها رأي طهران على التسلح بقنبلة حتى احراز هدفها (وهذا قرار لم يتخذ بعد).
هذا الجدول الزمني يُقرب اسرائيل من معضلة تخصها. فعلى حسب أكثر التحليلات التي قام بها خبراء في الغرب، فان هجوما في الشتاء (من منتصف تشرين الثاني الى منتصف آذار تقريبا) يكاد يكون غير ممكن لأن الغيوم الكثيفة ستشوش على أداء سلاح الجو. وقد أفضت اجراءات وتصريحات في الجانب الاسرائيلي في الشهرين الاخيرين الى استعمال قطار جوي دبلوماسي في الخط بين واشنطن والقدس. في البدء دُعي وزير الدفاع الى الولايات المتحدة. وبعد ذلك فورا جاء الى هنا لزيارات عاجلة وزير الدفاع ليون بانته ومن حل محله في رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية، الجنرال ديفيد باتريوس.
جاء بانته معه برسالة معلنة. وقال ان اسرائيل يجب ألا تعمل في مواجهة ايران من غير تنسيق كامل مع الجماعة الدولية. ووجد في القيادة هنا من أصروا على ان يقرأوا رسالة بانته وباتريوس على أنها موافقة صامتة على عملية اسرائيلية في المستقبل. ويُثار هنا تقدير ان الرئيس اوباما الذي سيدخل هذا الاسبوع سنة الانتخابات في موقف منحط في استطلاعات الرأي، لا يستطيع ان يسمح لنفسه في ان يجابه حكومة اسرائيل مباشرة في هذا الوقت وان يعرض نفسه لخطر خسارة حرجة للصوت اليهودي.
ويُصر اسرائيليون آخرون، كانت لهم ساعات كثيرة مع مسؤولي الادارة الكبار، على استنتاج معاكس: وهو أن لا تعني لا كما يزعمون عند الامريكيين. فالولايات المتحدة تعتقد ان هجوما اسرائيليا سيعقد الوضع في الشرق الاوسط (والمصالح الامريكية فيه) تعقيدا تاما ولهذا ما تزال تعارضه.
اشتملت غلة التصريحات اليومية أمس على تحذير الوزير باراك من أنه ‘قد تنشأ اوضاع تضطر فيها اسرائيل الى الدفاع عن مصالحها والوقوف على الاشياء الحيوية لها بنفسها من غير ان تستطيع الاعتماد على قوى اخرى’. وقال الوزير بوغي يعلون الذي يعتبر قائد معارضة الهجوم في الثمانية، قال لـ ‘صوت الجيش الاسرائيلي’ ان ‘اسرائيل يجب ان تسلك على نحو هو ليت ‘الصدّيقين يتم عملهم على أيدي آخرين”.
أما وزير الدفاع السابق، بنيامين بن اليعيزر (حزب العمل) فقال انه يخشى ‘سيناريو رعب’ تهاجم فيه اسرائيل ايران، وحذر من ‘عمل متسرع’ وعبر عن أمل أن ‘يتغلب الفهم’.
ان بن اليعيزر مثل آخرين يظن أن نوايا الاثنين حقيقية. وفي المقابل، يفاجئنا قليلا سكون النفس الذي يستقبل به نتنياهو وباراك النقاش العام المفاجيء. فالى الآن لم يُسجل أي جهد شاذ من الرقابة لصد تغطية الاختلاف اعلاميا.
يبدو ان القرار النهائي على هذا الشأن لم يتخذ بعد. ان الحلقة المخولة بذلك هي المجلس الوزاري المصغر أو الحكومة، لا الثمانية (التي ليست لها المكانة الرسمية) وهذان الاثنان لم يبحثا الامر ألبتة. بقي احتمال ان الحديث ما يزال عن استعمال ضغط اسرائيلي يشبه حيلة ‘أمسكوني’، التي ترمي الى أن تعيد الى برنامج العمل الانشغال بالتهديد الايراني الذي أُبعد عن رأس برنامج العمل الامريكي بسبب تحولات الربيع العربي.
سيطرأ في هذه النقطة تطور مهم في الاسبوع القادم، مع نشر التقرير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية في الثامن من تشرين الثاني. ويتوقع ان يقول التقرير ان ايران قد اشتغلت حتى 2003 وربما 2004 بتطوير المسار الذري العسكري، أي ببحث يرمي الى انتاج قنبلة ذرية. وستكون الصيغة كما يبدو ان البرنامج العسكري قد تم في احتمالية عالية لا ممكنة كما كانت الحال في الماضي، فالحديث عن تغيير مهم في موقف الوكالة التي حرصت تحت إمرة رئيسها السابق، المصري محمد البرادعي، على جعل صياغاتها معتدلة وعلى عدم اغضاب الايرانيين.
يُضاف الى التقرير الشديد اللهجة غضب ادارة اوباما من تدبير الاغتيال الايراني للسفير السعودي في واشنطن في الشهر الماضي. وهذان قد يمنحان الولايات المتحدة موقف أفضلية في مواجهة معارضة روسيا والصين، في اجراء مجدد لزيادة العقوبات على ايران في مجلس الامن شدة. فاذا أُضيف الى ذلك ما يبدو بأنه تهديد اسرائيلي بهجوم جوي فربما تكبر احتمالات الاجراء. وقد أحدثت العقوبات التي أعلن عنها في العام الماضي ايضا ضررا لا يستهان به بالاقتصاد الايراني وبخاصة بسبب تأثيرها غير المباشر في شركات غربية تريد الآن الابتعاد عن التجارة مع طهران. لا مناص من أن نضيف الى حساب التقديرات الاسرائيلية سياقا واحدا آخر. ان نتنياهو في الحقيقة ملتزم جدا ان يعالج التهديد الايراني، لكن رئيس الحكومة رجل سياسي ايضا يعرف كيف يقرأ استطلاعات الرأي. والتقدير الانتخابي غير غائب عن الصورة حتى عندما يجري الحديث عن قرارات استراتيجية مهمة.
يتمتع نتنياهو بعد صفقة شليط بشعبية في الذروة ولا يبدو كمن يقف أمام تهديد مباشر لاستقرار حكومته. أهذا هو الوقت الذي يقامر فيه مقامرة عظيمة مخالفا عن رأي الادارة الامريكية وبرغم المعارضة الشاملة من جميع قادة جهاز الامن سوى باراك؟ سيكون الهجوم على ايران حربا اختيارية يصعب على الجمهور الاسرائيلي قبولها، ولا سيما بازاء موقف المستوى المختص. يوجد غير قليل من الدلائل التي قد تشهد بأن المعضلة الحالية هي في الحقيقة عودة أساسية الى القرار الحقيقي بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعد جولة العقوبات الاخرى في الامم المتحدة.

هآرتس 2/11/211

معاريف بريس

www.maarifpress

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads