صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

الدولة أملاك طبيعية بلا رجال روحها (مفكريها).

الأمة، مثل جسد الانسان تتشكل من المادة والروح، من اللحم والنفس، من الاحساس والوعي. ومثلما هو جسد الانسان ليس سوى وعاء فارغ دون روح ونفس، هكذا هي الدولة ليست سوى جمع من الكيانات، نقاط جغرافية وأملاك طبيعية بلا رجال روحها (مفكريها).
على رأس الهرم، هكذا على الاقل مال الكلاسيكيون اليونانيون العظام للاعتقاد، يقف الفلاسفة. ومن هنا فان على مفكري كل أمة تلقى مهمة هامة: مساعدة الامة في رفع وعيها، تحويلها الى كلام ومن هذه النقطة ترك المهمة العملية الى رجال التنفيذ.
هذا هو تعريف غامض للدور، وبالتأكيد في عصر التهكم والسخرية عديم الايمان مثل عصرنا. فبعد كل شيء، هذا الزمن في العالم الغربي وفي اسرائيل هو الزمن الذي تغلب فيه الارقام على الكلمات، والخلاصة المنشورة دوما تتغلب على المحاججة والفكر. عصر فيه عملية التفكير الضرورية جدا، سواء للمعرفة أم للعمل، فرغ سواء من المسيرة أم من التفكير.
وبالتالي، انقلب الهرم رأسا على عقب، ورجل القبضة تغلب على رجل الفكرة والكلمة. هكذا هو وجه الامور في اسرائيل وهذا مؤشر واحد على فراغ الدولة من قيمها وتشويش رموزها الى أطياف باهتة الامر الذي يتفق فيه ايضا رجال السيف على اعتباره هداما.
وها هو هذا الكتاب الى رئيس الوزراء والذي في أساسه تقبع حجة شرعية (حتى وان كانت عديمة الاحتمال في التحقق، إذ واضح للجميع بان المحكمة العليا لن تقيد رئيس الوزراء عشية هذه الساعة المصيرية على الابواب) بإلزام رئيس الوزراء باتخاذ القرار في الهجوم في ايران (اذا ما وعندما) في المحفل الواسع للحكومة يخرج من القمقم شياطين شريرة. في اسرائيل في عصرنا هذا يجب ان يكون كاتب ‘يساري’ وبطبيعة كونه يتماثل مع هذا المعسكر المشين، لاغية حججه كلها ومدحوضة ومتحطمة على صخرة الاحتقار والمقت لقسم كبير من الجمهور، فقط لانها انطلقت على لسان من عيناه في رأسه من ‘اليسار’ (كلمة مرادفة لخائن في القاموس الاسرائيلي لعصرنا). وذات الاشخاص، الذين ينشغلون طوال حياتهم في تحسين جودة الخطاب، في إثراء حياتنا، في تلوين اسرائيل بألوان عميقة وأطياف أكثر تركيباً، يصبحون منبوذين على اعتبار انهم يحملون آراء سياسية مختلفة عن آراء معظم الجمهور.
جيد وجميل: فليتذكر رجاءً هذا الجمهور في المرة التالية التي يصلي فيها لفوز عاموس عوز بجائزة نوبل، او يستمتع بابداعية اخرى لسامي ميخائيل أو يدهش امام انجاز ادبي لنير برعام. فليتذكر رجاء بان الحوار الذي يديره رجل الروح مع الجمهور لا يمكن أن يجري فقط من خلف أطر ابداعاته، بل هو ملزم بان يخرج منه الى نطاق وساحة الحياة.
يمكن للجمهور أيضا الا يتفق مع مواقف الكاتب (بالضبط بذات القدر الذي لا بد أنه يوجد غير قليل من الكتاب الاسرائيليين الذين يفكرون بخلاف الكتاب الذين وقعوا على الكتاب والاحرى: فليتفضلوا باسماع صوتهم وينضموا الى النقاش)، ولكنه ملزم بالاستماع الى صوت رجل الروح انطلاقا من الفهم بان هذا هام له وللدولة أكثر بكثير من ضابط استخبارات متقاعد آخر.
الاحتجاج الشعبي الصغير الذي يثور هذه الايام ضد الحرب في ايران يحتل أساسا هوامش معسكر سياسي واحد. الاحتجاج شرعي، بالطبع، بل هو في الديمقراطية حيوي. ينبغي التعاطي معه وينبغي التعامل معه باحترام، ولكن مواصلة إدارة هذه الدولة في ظل ذلك والحفاط على مصالحها الاستراتيجية بقوة وجدية لا تقل.
النقاش حول الهجوم في ايران يجب أن ينتقل الى الجمهور لانه هو الذي سيتعين عليه أن يتحمل نتائج كل عملية تنفذها اسرائيل (سواء هاجمت أم امتنعت عن ذلك). ولكن على الجمهور أن يقبل بخنوع حقيقة أن من واجب الحكومة ورئيسها أن يحكما، كي تتمكن الدولة من العيش. وفي هذه الاثناء، فليفرحوا بالكتاب الذين يغمسون ايديهم في الخطاب السياسي ويعرضون للخطر محبة العديد من قرائهم لهم. وهم يتصرفون باستقامة وشجاعة وبمسؤولية جماهيرية. لا ينبغي الخوف منهم بل ينبغي التصفيق لهم؛ فبعد كل شيء، هم ايضا، كأوائل الجنرالات، يريدون صالح اسرائيل. فمن اليوم الذي أخذوا فيه على عاتقهم مهمة العمل بالروح والفكر، فقد أخذوا على عاتقهم أيضا مسؤولية اخلاقية وثقافية لا يمكن لأي دولة أن تعيش دون أناس يحملونها بشجاعة.

www.maarifpress.com

شاي غولدن

معاريف 14/8/2012

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads