صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

أمريكا بين مرحلة الانتخابات الرئاسية والواقع الايراني المرير

 

كلما اشتدت دقات ساعة الانتخابات المقتربة في أمريكا واشتدت وتيرة دوران أجهزة الطرد المركزي في ايران، هكذا يمتلئ الجو بمزيد من الخطابات والعناوين الرئيسة عن لحظة تاريخية وحسم تاريخي وأيام محملة بالمصير لم يشهد لها مثيل.
آخر من ساهم في أجواء الايام الفظيعة هذه هو من أصبح فجأة عظيم مروجي الاستقامة لدى بنيامين نتنياهو. تساحي هنغبي تحدث عن الخمسين يوما الحاسمة في التاريخ اليهودي، ولم ينسَ بالطبع الاشارة الى أنه وراء المقود التاريخي هذا يجلس الان قائد مسؤول، يرى إلى مسافة بعيدة ما لا نستطيع نحن الصغار أن نفهمه.
في هذه الدراما، التي كتب السيناريو فيها في عدد لا حصر له من الخطابات والتسريبات والاستعراضات والتحليلات، توجد أهمية هائلة للاستخدام المتكرر لاسم دافيد بن غوريون، الرجل الذي حسم ضد كل الاحتمالات وضد الكثيرين في شعبه وفي العالم في صالح إقامة دولة يهودية في بلاد اسرائيل. بين الابطال الثانويين في السيناريو الدرامي يبرز مناحيم بيغن، الرجل والمفاعل العراقي. ينبغي الامل في أن المعلومات الاستخبارية الموجودت تحت تصرفنا حول ما يجري في بواطن الارض في ايران، أكثر جدية بكثير من هذه الاستعارات الهزيلة.
يخيل لي أني معفي من أن أشرح حقا لماذا بن غوريون في حينه ونتنياهو اليوم وقفا امام قرارين مختلفين، امام وضعين لا يمكن المقايسة بينهما. لماذا في حينه كانت اللحظة حقا تاريخية، ولماذا هذه المرة هذا قرار هام، بل ودراماتيكي، ولكن ليس أكثر من ذلك. يخيل لي أني معفي ايضا من أن اقول انه مثل كل العالم آمل وأصلي وأتمنى أنا أيضا الا يحظى نظام آيات الله في طهران باللحظة التي تكون فيه ايرانهم قوة عظمى نووية.
ولكن يخيل لي أيضا أنه ينبغي لي أن أقول الحقيقة: ليس بنيامين نتنياهو هو الذي سيحسم اذا كانت ستكون ايران نووية أم لا. مشكوك أن يكون للعالم الاكبر والاقوى منا قدرة على مثل هذا الحسم.
نحن بالتأكيد ليس لدينا. وينبغي في نفس المناسبة أن اقول حقيقة اخرى: ايران النووية، التي حبذا الا تكون، هي الاخرى، ليست تهديدا وجوديا على اسرائيل. فاذا كانت قنبلة نووية تهدد مجرد وجودنا هنا – فعندها حتى 22 دولة عربية معادية، بعضها مسلحة بالاف الصواريخ غير التقليدية، تشكل مثل هذا التهديد، الذي ليس منوطا بقرارات نتنياهو.
هنا وهناك يحاول خبراء حقيقيون افساد الاحتفال. فسلاح نووي في ايران، كما يتفقون، هو مشكلة عويصة. ولكن حتى لو حان اليوم، ومشكوك أن يحين، فيطلق صاروخ ويصيب واصابته تكون سيئة فهذه لن تكون الضربة التي لا نقوم منها، كما يشرحون.
اذا تحول هذا النظام المتطرف الى نووي، فهذا بالفعل سيغير الصورة ـ ولكن الصورة لم تكن ابدا حقا واضحة ومؤكدة، بقدر ما يكون الحديث يدور عن دولة يهودية غارقة في بحر اسلامي، بعضه متطرف جدا ومعظمه معادٍ.
وينبغي أن نأخذ بالحسبان موضوعا آخر: النووي، الذي كان ذات مرة ـ ولا يزال ـ حصريا ومحفوظا للاقلية، لن يبقى هكذا ابدا. فالعالم سيصبح اكثر خطرا، ولكنه أصبح هكذا حتى بعد اختراع البارود. في لحظة معينة في التاريخ، حتى دولة كتركيا، السعودية ومصر ستكون نووية.
القرارات التي سيتخذها نتنياهو في الخمسين يوما المصيرية التي أعلن عنها هنغبي، ستكون هامة ومؤثرة، ولكن مشكوك الى اي حد ستغير حقا مصير اسرائيل ومصير العالم بأسره. يمكن بالطبع الادعاء بان مسألة هل حسم تاريخي أمامنا أم فقط قرار هام هي جدال في الدلالة. هذا ليس دقيقا. فاستخدام التعابير التاريخية يجر هوسا، وتجنيد عظماء الجيل مثل بن غوريون الى عملية اتخاذ القرارات يشوش القدرة على التفكير بمنطق والتحليل بتوازن. من حظنا أن أناسا كتسيبي حوتبيلي ويوفال شتاينتس يعيدوننا أحيانا الى أرض الواقع. عضو الكنيست تدعي بان كل من لا يريد الهجوم يعمل بدوافع مرفوضة، والوزير يقدر بان ايهود باراك قد يكون على الاطلاق لا يريد أن يهاجم وفقط ينشغل في إعداد احبولة جديدة لرئيس الوزراء.
لدى بن غوريون، رغم الاخطاء، السياسة عملت في خدمة التاريخ. لدى خلفائه، على مدى السنين، فان التاريخ هو الذي يجند من أجل خدمة السياسة.

عامنويل روزين

www.maarifpress.com

معاريف بريس

عن

يديعوت 9/9/2012

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads