صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

لا لتصفية الدولة …نعم لتصفية الماضي السلطوي

أصبحت ثورة 25 يناير بعد نجاحها المشهود في إسقاط النظام السلطوي المصري في فترة لم تتجاوز أسبوعين، هي العامل الرئيسي الحاسم في إعادة بناء النظام السياسي في مصر، تحقيقاً لأهداف التحول الديموقراطي، ونعني الانتقال من السلطوية إلى الديموقراطية. وتفكيك النظام السلطوي المصري عملية بالغة التعقيد، تحتاج إلى منهج واضح محدد المعالم، وإلى بصيرة نفاذة قادرة على التمييز الواضح بين ثلاثية الثورة بأبعادها الزمنية الثلاثة، ونعني الماضي والحاضر والمستقبل.
وأكبر المخاطر على الثورة هو ألا يتم بشكل متوازن تقسيم الجهد الثوري، والذي تحول لكي يصبح جهداً مجتمعياً تشارك في إنجازه كل الأطياف السياسية والفئات الاجتماعية.
ونعني بذلك على وجه التحديد أنه لا ينبغي توجيه طاقات الثورة لتصفية الحساب مع الماضي مع أهميته القصوى، وإهمال تحديات الحاضر، وتأجيل التفكير في آفاق المستقبل.
والواقع أن تصفية الحساب مع الماضي ينبغي – وبالاستعانة بخبرات الدول الأخرى التي انتقلت من السلطوية إلى الديموقراطية – ألا تؤدي في النهاية إلى تفكيك الدولة ذاتها!
وهذا يقتضي أن نقف قليلاً أمام هذا المصطلح، ونعني “تفكيك النظام السلطوي السابق” والذي يبدو وكأنه بسيط التركيب مع أنه في غاية التعقيد.
ولننظر في الأولويات الخاصة بالتفكيك السياسي، وبدايتها هي ضرورة مراجعة الدستور القائم. وقد تعمدت أن استخدم عبارة “مراجعة الدستور”، ولم استخدم عبارة إلغاء الدستور أو إسقاطه أو تعليق العمل به.


وذلك لأن الدستور المصري – وبغض النظر عن بعض مواده وخصوصاً تلك المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية – يحمل في طياته تراكمات دستورية متعددة، انحدرت اليه منذ صياغة دستور 1923 في العصر الملكي، إلى الصياغات الدستورية المتعددة التي أنجزت في عهود الرؤساء السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد حسني مبارك.
بعبارة أخرى تحتاج المسألة إلى مراجعة دقيقة للدستور لاتخاذ قرار استراتيجي مهم، مبناه هل نعدل بعض مواده ونحتفظ بالجسم الأساسي له كما هو، أم أن نسقطه كلية ونشرع في صياغة دستور جديد؟
الإجابة عن هذا السؤال المحوري تمثلت في القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد مشاورات متعددة مع بعض السياسيين الذين يعبرون عن أطياف شتى.
وهذا القرار تمثل في تشكيل لجنة دستورية برئاسة المستشار طارق البشري وعضوية عدد من القانونيين والقضاة المحترمين، لإجراء تعديلات دستورية في مواد أساسية عدة كانت تضيّق من إطار المشاركة السياسية، وساعدت على البنية السلطوية للنظام السياسي.
ومن أبرز هذه المواد تعديل المادة 76 والتي كانت تقف مانعاً حقيقياً أمام ترشح المستقلين لرئاسة الجمهورية لأنها كانت تتضمن شروطاً تعجيزية، بالإضافة إلى إلغاء المادة 77، والتي كانت تبيح لأي رئيس للجمهورية أن يمد رئاسته إلى ما شاء الله بدون أي قيد زمني! وقد عدلت المادة لتصبح مدة الرئاسة أربع سنوات قابلة لمدة أخرى فقط، وذلك بالإضافة إلى تعديلات دستورية جوهرية أخرى.
وقد تقرر أن يتم الاستفتاء على هذه التعديلات الدستورية يوم 14 آذار الجاري 2011 لمعرفة رأي الشعب فيها.  غير أنه ظهرت اعتراضات متعددة حول هذا المنهج الذي طبق في التعديلات الدستورية. فقد ذهبت آراء إلى أنه كان ينبغي إسقاط الدستور كلية وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، بناء عليه ينتخب رئيس الجمهورية، وتتم انتخابات مجلسي الشعب والشورى.
والواقع أن مراجعة الدستور سواء بتعليق العمل به وإدخال تعديلات عليه، أو إسقاطه كلية والشروع في صياغة دستور جديد، عملية تتعلق بالمستقبل، في حين أننا لم نفرغ بعد من العملية الخاصة بتصفية الحساب مع الماضي والتي تثير خلافات شتى في  الواقع.  وأبلغ مثال على ذلك برنامج مهم أذاعته قناة “دريم” المصرية وتولت إدارة المناقشات فيه الإعلامية المعروفة منى الشاذلي، وكان الموضوع

هل نحل الحزب الوطني الديموقراطي أم نبقي عليه؟
شارك في الحلقة ممثل للإخوان المسلمين وممثل للحزب الوطني وممثل لجمعية من جمعيات حقوق الإنسان والديموقراطية وأستاذ علوم سياسية.
وفور طرح الموضوع ظهرت خلافات شتى بين المتحاورين، لا تتعلق فقط بحل الحزب الوطني، ولكن بمنهج تصفية الحساب مع الماضي بشكل عام.  وفيما يتعلق بالحزب الوطني كان منطقياً لممثل الإخوان المسلمين وهي الجماعة التي وصفت بـ”المحظورة” “في النظام القديم أن يأخذ بثأره من الحزب الوطني ويدعو إلى حله بالكامل، باعتباره حزباً سلطوياً ساده الفساد، وساهم في إفساد الحياة السياسية، ومارس السلطوية إزاء باقي الأحزاب.


أما ممثل المؤسسة المدنية الديموقراطية فلم يكتف فقط بطلب حل الحزب الوطني الديموقراطي فوراً، وإنما تزيّد ووصفه بأنه لم يكن حزباً سياسياً ولكنه كان “عصابة” مارست الحكم بالغصب والقهر!
غير أن أستاذ العلوم السياسية قدم عرضاً متماسكاً لافتاً للنظر، مؤداه أنه لا يؤيد حل الحزب الوطني لأنه لو لم يكن حزباً حقيقياً كما يقول خصومه فلنترك هذا لحكم جماهير الناخبين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهي التي ستختار في إطار ديموقراطي شفاف الممثلين للشعب كما تشاء بدون سلطوية ولا قهر سياسي. فإن اختارت الجماهير ممثلي هذا الحزب فهذه هي الممارسة الديموقراطية، وإن خذلت ممثليه وانصرفت لتختار ممثلين لأحزاب سياسية أخرى فمعنى ذلك أننا جعلنا الجماهير هي الحكم في بقاء الحزب أو اختفائه، ليس بقرار فوقي صادر من أي جهة، ولكن بناء على تصويت شعبي.  أما ممثل الحزب الوطني الديموقراطي فقد قرر أنه بعد أن تتم عملية تطهير الحزب بفصل عديد من قياداته التي تورطت في الفساد أو في تزوير الانتخابات، فإن جموع أعضاء الحزب من الشباب من حقهم الاستمرار في الممارسة السياسية في ضوء ضرورة الإبقاء على الحزب.


غير أن الذي لفت النظر حقاً هو الطرح المتكامل الذي قدمه مدير المؤسسة الديموقراطية الذي شارك في الحوار والذي يتمثل في ضرورة تكوين “لجنة للمصارحة والمصالحة” تتشكل من عناصر مدنية مع مكون قضائي، تقدم لها كل الشكاوى والبلاغات المتعلقة بالممارسة في النظام السياسي السابق، وذلك في فترة أطلق عليها اسم “العدالة في المرحلة الانتقالية” قياساً على تجارب سابقة تمت في جنوب أفريقيا وغيرها من البلاد.
وهذه اللجنة من حقها بعد البحث الدقيق إحالة الرموز السياسية والاقتصادية للنظام القديم والتي مارست الفساد السياسي والاقتصادي أو التي قامت بخرق حقوق الإنسان، إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة قبلهم.


وأشار الى أنه سيتقدم بهذا الاقتراح إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وفي تقديرنا أن هذا الاقتراح يتسم بكونه يتضمن منهجاً متكاملاً لتصفية الحساب مع الماضي، ومهمته ألا يصرف نظر السلطة الحاكمة عن الاهتمام بشؤون الحاضر والتخطيط للمستقبل.
غير أن تصفية الحساب مع الماضي اثارت مشكلات متعددة، انعكست على عدد من القرارات التي سبق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن اتخذها.


فقد اعترضت جماهير الثورة على استمرار الفريق أحمد شفيق في المهمة التي كلفه بها الرئيس السابق محمد حسني مبارك كرئيس للوزراء، بعد إقالة وزارة أحمد نظيف الفاشلة التي اكتسحتها ثورة يناير. وبُني الاعتراض على أساس أن أحمد شفيق سبق له أن أقسم اليمين أمام الرئيس السابق محمد حسني مبارك مما يفقده الشرعية.
وبناء على هذا الاعتراض – وربما نظراً لاعتبارات أخرى- قبلت استقالة “أحمد شفيق” ووزارته، وأعيد تشكيل الوزارة بعد تكليف الدكتور عصام شرف والذي اعتبر هو ممثل الثورة في الحكم، لأن الشباب هم الذين اقترحوا اسمه بعد أن شاركهم في تظاهراتهم في ميدان التحرير، ولذلك طالبوه بأن يحضر إلى الميدان لحلف اليمين.


وذهب الدكتور شرف إلى الميدان بالفعل لا لكي يحلف اليمين، ولكن لكي يؤكد لهم أنه سيمثل مطالب الثوار، وإن عجز عن تحقيقها سيعود لكي ينضم اليهم.  غير أن الاعتراض على أن أحمد شفيق قد أقسم اليمين أمام حسني مبارك، ينسحب في الواقع على قيادات مصرية شتى سواء في القوات المسلحة أو في الخارجية أو رؤساء جامعات أو محافظين، فبعضهم أقسم اليمين أمام رئيس الجمهورية السابق بحكم

 

نصوص القانون، فهل يتم استبعادهم لهذا السبب؟


الواقع أن الإجابة بنعم عن هذا السؤال الجوهري معناه أننا انتقلنا من عملية تصفية الحساب الضرورية مع الماضي من خلال محاسبة رموز الفساد السياسي والمالي والاقتصادي، إلى عملية تصفية الدولة المصرية من كوادرها الرئيسية!
ولا نعتقد أن شباب الثورة يهدفون إلى ذلك، وإن كان يبدو أن بعض شعاراتهم الحماسية في ما يتعلق مثلاً بإقالة كل رؤساء الجامعات وعمداء الكليات تقترب من هذا الخط الأحمر الذي ينبغي مراعاته.
تصفية الحساب مع الماضي السلطوي نعم وباتباع إجراءات العدالة الناجزة، ولكن لا لتصفية الدولة!

يسين

 

(باحث مصري)

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads