صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

التراث والبحث الأثري بالمغرب


إنجاز: عبداللطيف زرغيلي
1 التعريف الاصطلاحي والدلالي لمفهوم التراث:
كثير هي الحضارات التي سادت منطقة أو مكان معين خلال قرون بعيدة وقد ولت الآن، إلا أن ما تركته من مباني عمرانية ومواقع أثرية وأساطير مقولية هو البصمة الوحيدة لتلك الحضارات ولشخصيتها البارزة في المجال، والتي استطعنا أن نستدل بها على عظم هذه الحضارات. فالتراث ليس تعبيرا عن الطابع أو الخصائص القومية فحسب، بل هو أعمق من ذلك، فهو يعبر عن مجموع التاريخ المادي والمعنوي لحضارة معينة منذ أقدم العصور.
كلمة التراث مشتقة من فعل ورث، والدي يعني حصول المتأخر على نصيب مادي أو معنوي ممن سبقه. ومع تقدم العصور أصبحت كلمة التراث هي الأكثر شيوعا للدلالة على الماضي وتاريخ الأمة وحضاراتها وما وصل إلينا من الحضارات. كما تحمل دلالة على مجموع نتاج الحضارات السابقة التي يتم وراثتها من السلف إلى الخلف، و كل نتاج تجارب الإنسان ورغباته وأحاسيسه سواء أكانت في ميادين العلم أو الفكر أو اللغة أو الأدب وليس ذلك فقط بل يمتد ليشمل جميع النواحي المادية والوجدانية للمجتمع من فلسفة ودين وفن وعمران… وتراث فلكلوري واقتصادي أيضا.
وحسب تعريف نعمة الله الخطيب “التراث هو ما تبقى من الماضي القديم ويجسد الحضارة. أي كل التراث الثقافي بما فيه المادي وغير المادي كالآداب والفنون من شعر ونثر وأشكال فرجوية والمنقول الشفوي أيضا…والمخطوطات والملابس… وما إلى دلك. والتراث المادي يتمثل في البنايات والأدوات الحياتية  (أي المبني وغير المبني ). فالآثار لا يعني الأمور المبنية فقط “.
ويعرفه الباحث محمد عبد الجليل الهجرواي “انه كل ما ورثناه من أجدادنا وأبنائنا وهو يضم بطبيعة الحال الموروث بجميع محتوياته بما في دلك التراث المكتوب، الشفوي، المنقول، المعماري… فطريقة اللباس، والمأكل، والبناء، والتعامل، ليست وليدة اليوم، ولكنها مستمدة من هذا الإرث الحضاري المتجدر في التاريخ. فهو بالتالي جزء من هويتنا الثقافية وهو ما يميزنا عن باقي الشعوب.
ويضيف الباحث إلى تعريفه للتراث بأنه مجموعة من الآراء والتقنيات والتقاليد والعادات التي نمت وتطورت عبر الأزمنة والعصور إلى أن وصلنا في الحالة التي نراه عليها الآن، وهذه الآراء والتقاليد تختلف بطبيعة الحال من شعب إلى آخر ومن منطقة لأخرى، وهذا ما يميز بين الشعوب والقبائل وما يفرق بينهما. وبالتالي فإن كل هذه المعطيات هي جزء من هويتنا الثقافية لابد من الحفاظ عليها والافتخار والاعتزاز بها ” .
في عام 1996 م عرفت منظمة الإيكومس  ( ICOMS  ) التراث على أنه مفهوم واسع يشمل البيئة الطبيعية  ( المواقع الطبيعية  ) والبيئة الثقافية  (المواقع الأثرية ) وكل الممارسات الثقافية القديمة والمستمرة والتجارب المعرفية الحية. ووضعت تصنيفات للتراث كالتراث الاجتماعي والتراث الديني والتراث الثقافي وغيرها.
وحسب الباحث François Moinet، مفهوم التراث لا يجب حصره في تعريف ضيق كمجموعة من المنشآت القديمة المتوارثة بين الأجيال، بل يحمل معنى أكبر من دلك، فهو مجموعة من العناصر المادية  (المآثر والمنشآت التاريخية، المشاهد الطبيعية، منتوجات الصناعة التقليدية والغذائية… ) وغير المادية كذلك كالمعارف، المهارات، اللهجات المحلية، الموسيقى، الحفلات، التقاليد… الشاهدة على العلاقة الخاصة لجماعة بشرية معينة مع مجالها الذي تنتمي اليه عبر التاريخ .
وتدأب كل التعاريف التي صادفناها إلى تصنيف التراث إلى شقين رئيسين هما: التراث المادي والتراث اللامادي.

ويضم كل الاشياء دات القيمة بالنظر الى مرجعيتها التاريخية أو الثقافية أو دات التعبير عن جمالية الطبيعة النادرة. ويشمل العناصر التالية:

يضم هذا الصنف من التراث كل من:
ويمكن القول أن مفهوم التراث يبدو شاسعا، تتعدد تعاريفه بتنوع مكوناته المتباينة من منطقة لأخرى ومن مجال لآخر. حيث نجد مفهوم التراث الفكري، الفني، الديني، الثقافي…والشعبي. إلا أن المتفق عليه هو أن التراث يشكل بصمة من البصمات التي تحمل مرجعية تاريخية، ترتبط ارتباطا وثيقا بالذاكرة المحلية وتحمل تعبيرا عن الهوية التي يحس بها الفرد وتربطه بالمجال وتقوده إلى الاطلاع على عظمة التاريخ وإلى روعة الحضارات التي استوطنت بالمجال الذي ينتسب إليه مما يولد الدافع الذاتي لحماية هذه الآثار والمحافظة عليها. بمعنى أدق نسق التراث يدخل في صلب تشكيل هوية المجال، حيث يربط الفرد بتاريخ الجماعة وبثقافتها وجذورها التاريخية ويوثق العلاقات الاجتماعية . فالترات مفهوم شامل ويعني كل ما هو موروث في مجتمع معين عن الأجيال الغابرة من عادات، تقاليد، آداب، تعابير، أنماط العيش، أنماط الإنتاج، التنظيمات… شريطة أن لا نحصره فيما هو مكتوب أو مروي. فالتراث إذن هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من ماضينا أو ماضي غيرنا، سواء القريب منه أو البعيد” .
ومع تطور عدد الأبحاث التي انصب اهتمامها على القضايا والإشكاليات التي تعالج مواضيع التراث، بدأت تترسخ شيئا فشيئا ضرورة تأهيل التراث وحمايته وضمان استدامته باعتباره ثروة مادية وغير مادية لا تخص جيلا معينا، بل حق ينتفع منه كل الأجيال الراهنة والمستقبلية . بل الأهم من دلك أضحى هذا المكون من بين الموارد الأساسية المرتكز عليها لتحقيق التنمية والرفع من وثيرة النمو الاقتصادي بالعديد من البلدان. حيث يصطلح عليه بما يعرف باقتصاد التراث.

إننا عندما نستحضر ماضي أي شعب من الشعوب نقوم بدراسته ونستقرئ تاريخ أي بحث كان، فإننا نقف دوما على حدث معين يغير من وتيرة مسيرته ليخرج به في غالب الأحيان من سير عادي ومتسلسل، وليدخل إلى مرحلة ثانية ذات طابع جديد مخالفة لسابقاتها، كذلك الشأن بالنسبة لاهتمام المغاربة بمجال التراث، إذ نسجل في اعتقادنا أربعة أحداث مهمة جعلتنا نقسمه إلى أربع مراحل هي كالتالي:
المرحلة الأولى: تهم الفترة الممتدة مند بداية البحث الأثري بالمغرب، أي في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي إلى غاية تكوين طلائع الأطر المغربية الأولى في بداية السبعينات. وخلال هذه المرحلة الأولى كان جل الباحثين أجانب.
المرحلة الثانية: تبتدئ بتاريخ تكوين الأطر المغربية الأولى إلى غاية تأسيس المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. وتتميز هذه المرحلة بوجود أطر مغربية كفئة قادرة على التسيير والعمل بالأوراش الأثرية المغربية إلى جانب مهامها الإدارية. وهنا لابد من الإشارة إلى الجهود الجبارة التي قامت بها هذه الأطر في أحضان وزارة الشؤون الثقافية كان من بين نتائجها إحداث المعهد المذكور.
المرحلة الثالثة: وهي الفترة التي تتزامن مع وجود المعهد الوطني لعلوم التراث والآثار، ولقد اعتبرنا دلك بمثابة حدث هام لابد من الوقوف عنده للأسباب التالية:
• على عكس المرحلة السالفة أن التكوين في مجال التراث أصبح يجرى كليا بالمغرب وبواسطة أطر مغربية مما أتاح للطلبة المساهمة المستمرة بمختلف أوراش التنقيب، وتحليل المعطيات والنتائج الأثرية بنظرة مخالفة لما كان عليه من قبل.
• تعدد وتنوع المتخصصين في مختلف مجالات التراث بصفة عامة.
• تكوين اطر متوسطة لها دورها البالغ في إنجاح المهام الأثرية بالمغرب. فادا كان ضروريا وجود اطر عليا في كل الميادين، فان للأطر المتوسطة وظائف تقنية لا يمكن الاستغناء عنها، وبالفعل إن بعض خريجي هذا المعهد أنيطوا بهذه المهام وأبانوا عن مقدورات وخبرات عالية في مجال عملهم.
المرحلة الرابعة: وهي التي نوجد بها حاليا، فادا كانت الأطر المغربية أصبحت متوفرة الآن فالمرحلة الحالية تستلزم بالأساس تحسيس المواطن المغربي العادي بأهمية هذا التراث وضرورة المحافظة عليه. وفي اعتقاد الباحث م.ع الهجراوي أنها أصعب مرحلة “فادا كنا بالأمس نتحاور مع أشخاص لهم اهتمام أو ميولات بالحقل التراثي، فإننا اليوم مجبرون على تحسيس وإقناع أشخاص قد يعتقد بعضهم أن ميدان التراث لا نفع فيه” .
فكما تمت الإشارة نحن هنا في المرحلة الرابعة أي مرحلة تحسيس المواطن العادي بأهمية نسق التراث في المحافظة على هوية الشعوب والدور الذي يمكن أن يلعبه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك أن نبرز لغير المتخصصين الدور الذي يمكن أن يقوموا به في هذا المجال.

الاهتمام بالحفريات الاركيولوجية بالمغرب والمرتبطة خصوصا بفترتي ما قبل التاريخ وما قبل الإسلام يرجع الى منتصف القرن 19م. بينما جاء الاهتمام بالتنقيب عن الآثار الاسلامية نسبيا متأخرا ولم يعرف انطلاقته الحقيقية إلا في سنوات العشرينيات من هذا القرن ودلك مع خضوع المغرب للحماية الفرنسية. وقد اقتصر اهتمام الفرنسيين في بداية الأمر على آثار المنطقة الخاضعة لهم وخصوصا السهول والأطلس المتوسط.
فلأغراض كانت استعمارية، ومن اجل توطيد الاحتلال الفرنسي بالبلاد قام الباحثون الفرنسيون بتدمير المستويات الإسلامية في العديد من المواقع الاركيولوجية خصوصا في وليلي ولكسوس وشالة، بغية الكشف عن المستويات الرومانية. وكما هو معروف فإن هذه المواقع توالي حقب الحضارة الفينيقية وبعدها الروماني وبعدها أي أخر حقبة هي الحقبة الإسلامية.
وقد قام أول الباحثين الفرنسيين بهذا العمل من اجل طمس معالم الهوية العربية الإسلامية للمغرب والقضاء على كل البراهين المادية والملموسة التي من شأنها إثبات انتسابه إلى الحضارة الإسلامية من جهة، ومن جهة أخرى تسخير المعطيات الاركيولوجية لتأكيد الأطروحات الامبريالية القاضية بأن المغرب وشمال إفريقيا عموما ظل منطقة رومانية مسيحية ولم يستطع المسلمون أبدا توطيد نفوذهم بالمنطقة.
لكن هذا الوضع لم يدم، حيث سرعان ما حصل المغرب على استقلاله وشرع في مغربة أطره. وتمثل دلك في إنشاء مصلحة الآثار سنة 1974 التي تعززت في سنة 1986 بإنشاء المعهد الوطني لعلوم التراث والآثار. وبدلك تقوى مجال البحث الاركيولوجي ببلادنا بفعاليات شابة عملت وما زالت تعمل من اجل إزالة الغموض، وتصحيح المعلومات الأثرية التي عمل الاستعمار على ترويجها.
وحسب الباحث زهور رحيحيل فان أول خطوة ثم القيام بها في هذا الإطار تمثلت في توسيع شبكة الحفريات عن الآثار الإسلامية والتي أضحت حاليا تشمل كل المناطق. حيث تم القيام بتحريات تهدف الى وضع خريطة اركيولوجية تضم كل المواقع الأثرية. بالإضافة إلى المواقع التي كشف عنها برنامج التحريات الذي انطلق في سنوات الثمانينات. فان الحفريات الأثرية المرتبطة بالفترة الإسلامية بالمغرب ترتكز على واقع مازال البحث جاريا بها .
خاتمة
إن مفهوم التراث لم يعد يقتصر على المعالم المعمارية التاريخية ولكنه عرف توسعا ملحوظا ليشمل العناصر الطبيعية العادية والمنتجات الترابية، قروية وحضرية. فكل الموارد الترابية بالمدينة ومحيطها المباشر هي تراثا منه العالمي والوطني، ومنه المصنف والغير المصنف، وعدم تصنيف البعض من الموارد يجعلنا نؤكد على ضرورة تسجيله في قائمة التراث كالجنانات والبساتين المحيطة بالمدينة القديمة على وجه الخصوص وأشجار الزيتون وكل الحرف اليدوية.
فالتراث هو مورد ترابي أصبح يحظى في الوقت الراهن بأهمية استثنائية واهتمام متزايد، نظرا للوضعية المقلقة التي تتهدده، والظرفية العالمية التي تعيشها الدول في زمن التنافسية، والحفاظ بالتالي على الهوية والشخصية المحلية والوطنية في زمن التنميط الثقافي والاقتصادي، عن طريق إعداد مشروع ترابي متكامل الأبعاد للرقي بالتراث وجعله رافدا أساسيا في التنمية المحلية الشاملة والمستديمة.

مراجع
باللغة العربية
نعمة الله الخطيب ،”الوعي بأهمية التراث من أولويات المراكز التراثية والأوراش الأثرية” مجلة شؤون ثقافية العدد 8فبراير 1996.
محمد عبد الجليل الهجراوي،”المحافظة على التراث بحث في الزمن بأبعاده الثلاثة” مجلة شؤون ثقافية العدد 8 فبراير 1996.
المادة 3 من قانون 4300 المتعلق بحماية التراث وتأهيله.
عبد الله العروي “ثقافتنا في ضوء التاريخ “، المركز الثقافي العربي الطبعة الثالثة 1992 الدارالبيضاء.
محمد عبد الجليل الهجراوي،”المحافظة على التراث بحث في الزمن بأبعاده الثلاثة” مجلة شؤون ثقافية العدد 8 فبراير 1996.
زهور رحيحيل، البحث الأثري بالمغربالفترة الإسلامية، مجلة شؤون ثقافية العدد 8 فبراير 1996.
باللغة الفرنسية

 Souad Barakat et My Driss Chedad Rapport de mission « Forum des Acteurs du patrimoine Rural créatives des générations futures et passees » février 2002.
 F.Moinet : le tourisme rural concevoircrééer gérer, 4éme édition paris 2006.
 So  التراث المادي:  الأطلال والبنايات الشاهدة على ما شيده السلف من عمائر، دينية كالمساجد والكنائس، دور العلم والأضرحة والزوايا … وعمائر أخرى كالقصور والقصبات والأسوار والمدن العتيقة كمدن فاس وووزان. وتنطوي هذه المعالم مجتمعة ضمن ما يعرف بالتراث الحضاري، هو كل ما يدل على التطور الحضاري للمجتمع والدولة من مختلف النواحي سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو العمرانية، وغالبا ما تكون شاملة للشواخص والمباني أو حتى المواقع نفسها .  التشكيلات الطبيعية البيولوجية ذات قيمة جمالية نادرة وخاصة ، من مثيل: التراث الغابوي، التنوع الحيواني، المحميات الرطبة التي تدخل ضمن التراث العالمي للإنسانية كمحمية سيدي بوغابة والمرجة الزرقاء وغابة المعمورة.  كل الأفرشة والوثائق والمخطوطات والمنحوتات الموروثة، عن الأجيال الماضية سواء التي تم اكتشافها في البر أو البحر.  الحرف اليدوية والصناعات التقليدية التي يتم صناعتها بالاعتماد على المواد الخام المحلية كالخزف والفخار الحياكة والتطريز والنسيج والغزل.  الأزياء الشعبية واللباس التقليدي، المرتبط بالحياة اليومية والدي يرمز إلى الخصوصية الثقافية للساكنة المحلية.  التراث اللامادي:  الحكايات والأمثال الشعبية التي ترمز إلى الإبداع الفكري والتي ارتبطت بشكل مباشر مع الإنسان وواقعه وحياته اليومية.  الأهازيج والرقص الشعبي والأغاني الشعبية التي تحتوي على العديد من الأمور التي تعبر عن عادات المجموعات البشرية، سواء المنقولة عبر التقليد أو شفهيا والتي تعرف بالهوية الثقافية والاجتماعية.  العادات والتقاليد، كالمواسم، ومهرجانات الفولكلور. 2 تاريخ الاهتمام بالتراث وعلومه: 3البحث الأثري بالمغرب:  François Monet « Le tourisme rural : concevoircréer gérer 4éme édition ,France agricole 2006 .uad Barakat et My Driss Chedad Rapport de mission « Forum des Acteurs du

 

معاريف بريس

www.maarifpress.com

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads