صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

العلاقة الجدلية بين الثقافة و التنمية

أيام قبل بداية المهرجانات الموسيقية الصيفية ،و أيام قبل بداية البوليميك الايديولوجي الذي يصاحبها و لا ينقص من شأنها،ارتأيت كمدير لاحدى أهم هذه المهرجانات، المهرجان المتوسطي للحسيمة و الناضور، التي تعرفها احدى أكثر المناطق المغربية حساسية للنقاشات الايديولوجية، أن أستبق هذا النقاش بوضع الاطار العام لجل هذه اللقاءات الثقافية – أي العلاقة الجدلية  بين الثقافة  التنمية – هادفا أن يكون لهذا المقال أثر للدفع بمثل هذه النقاشات نحو بلورة نموذج ثقافي يهدف الى الرفع من وثيرة التنمية عبر الثقافة في المناطق التي يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن الثقافة هي بوابتها الوحيدة للارتقاء بجودة حياة ساكنتها.

ولعل منطقة الريف الاوسط ( الحسيمة و الناضور و دريوش و منطقة أكنول) احدى أهم هذه المناطق. و المقال الذي أنشره اليوم هو خلاصة اجتهادات فريق العمل الذي أترأسه باعتباري مدير هذا المهرجان المتوسطي.

عود على بدء،

 لقد مضى العهد الذي كانت تقاس فيه التنمية عبر مؤشرات رقمية بحتة فقط ، وأضحى مفهوم التنمية اليوم أكثر عمقا وشمولية، تتداخل فيه عوامل كثيرة و متعددة  ومختلفة، ويقاس بمدى قدرة أية استراتيجية على النهوض والتقدم بكافة المناحي الاجتماعية   . فلقد أضحى محور العملية التنموية وهدفها المركزي في مفهومها المعاصر، الإنسان والجماعات البشرية، وتبعا لذلك ظهرت مفاهيم جديدة مثل مفهوم ” التنمية المستدامة ” ومفهوم ” التنمية المندمجة” و”التنمية البشرية ” والتنمية المجالية ” التي تربط العملية التنموية بالمجال والمحيط وكذا مفهوم ” التنمية الثقافية” التي تؤكد على الدور المحوري للثقافة في تحقيق تنمية متكاملة وشاملة للإنسان وللمجموعات البشرية. 

وفي الوقت الذي عرف فيه مفهوم التنمية قفزة نوعية جديدة، عرف مفهوم الثقافة نفسه تطورا هائلا، ولم   يعد يحيل إلى المعارف التي يتم تلقينها في المدارس العصرية . بل أصبحت مرادفا للرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات، و  نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة للمقومات   التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب. وفي جملة واحدة فإن الثقافة هي الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات .

 من هنا أكدت مؤتمرات ” اليونسكو ” العديدة  في العقدين الماضيين على أهمية الاعتراف بالبعد الثقافي ضمن منوال التنمية والتأكيد على الهويات الثقافية، وفتح آفاق المشاركة في الحياة الثقافية مع دعم التعاون الثقافي الدولي. ولذلك، فإنه من الضروري اعتماد القيم الكونية، وفي آن واحد التعددية الثقافية، حيث تصبح مهمة السياسات الثقافية، المحافظة على تعددية المبادرات الثقافية وحمايتها قصد دعم التفاهم والاعتبار والاحترام بين الأفراد والأوطان في مجابهة مخاطر الصراعات والتغلب عليها، هذا ما جعل الثقافة بالمنظور الكوني الجديد في قلب عملية الوجود البشري، وعملية التنمية الإنسانية من منطلق أن الثقافة – كما سبق الذكر – هي مجمل الخطوط المميزة روحانيا أو ماديا وفكريا وحسيا، وهي التي تميز مجتمعا ما أو مجموعة اجتماعية وتعني الفنون والآداب وطرق الحياة ومنظومة القيم والتقاليد والمعتقدات.

 

من هنا  فتنظيمنا  للمهرجان المتوسطي في دورته الثامنة تحت شعار ” الثقافة رافعة للتنمية ” ليس رغبة في تغيير شعار المهرجان من دورة الى أخرى ، بل إن الامر  يؤكد على  استمرارية عملنا الذي تم تدشينه منذ سنة 2005، حيث استطعنا أن نجعل من كل الدورات  السابقة فضاء مفتوحا وخصبا   للفرجة الخلاقة والاحتفال الجماعي الايجابي والتواصل بين الشعوب والحوار بين الثقافات والحضارات. خاصة وأن المنطقة تستحق أن تلعب دورا رياديا في هذا المجال. لذا فهذه الدورة نريدها إطارا ملائما لإثراء الفكر والحوار حول قضايا التنوع والتبادل الثقافيين وأبعادهما الإيجابية  في التنمية المستدامة.

وذلك وعيا منا  بالدور الاستراتيجي و المحوري للعامل الثقافي في التنمية بل وجزءا لا يتجزأ من العملية التنموية باعتبارها عملية / صيرورة مركبة، شاملة ومندمجة .  

 و من أجل بلورة رؤية استراتيجية لدور الثقافة في تنمية مندمجة ومستدامة للريف لا بد من الانطلاق من مرتكزات واضحة من حيث المنهج والأهداف، وهي المرتكزات التالية :

1 – الأخذ بعين الاعتبار عامل الخصوصية الثقافية للمنطقة، وإدماجها في أية استراتيجيه تنموية محلية. ولا شك أن التقدم المحرز  في السنين الأخيرة – والذي كرسه دستور 2011 – في مجال الاعتراف بالخصوصيات الثقافية واللغوية الأمازيغية ، يشكل رافعة مثلى لبلورة استراتيجية تنموية محلية. 

2 –   وفي نفس السياق فإن إطار الجهوية الموسعة المكرسة دستوريا تشكل الفضاء الاستراتيجي الرحب الذي بإمكانه إعطاء دفعة قوية لتنمية مستدامة إن تم تفعيلها من طرف كافة المتدخلين. 

3 – وحتى تلعب الثقافة المحلية دورها المركزي في التنمية، لا بد من تخصيبها بالمكتسبات الكونية مما يطرح انفتاحا دائما ومستمرا .

4 – إن دور المجتمع المدني ومساهمته في التنمية، يشكل أحد أهم الأعمدة في النهوض التنموي، كما يعكس في أهم جوانب مساهمته المتنوعة، فاعلا ثقافيا بامتياز ( التحسيس ، التوعية……) 

ويعتبر المهرجان المتوسطي الثامن محطة لتبادل الرأي في المحاور المركزية التالية:

1-    الثقافة و التنمية – تجارب دولية

2-    تقييم مسلسل  تنمية منطقة الريف الاوسط

3-    دور  مؤسسات المجتمع المدني في النهوض بالتنمية المستدامة

4-    الجهوية الموسعة ودور العامل الثقافي في التنمية المستدامة.

 

ولعل أبرز اللحظات التي سوف يعيشها زوار المنطقة طيلة هذه الايام الثقافية هي النقاش المفتوح الذي سوف يؤطره  الرئيس السابق لليونيسكو السيد فديريكو مايور ساراغوسا  في موضوع العلاقة بين الثقافة و التنمية ،و سنستضيف الى هذا النقاش عمداء مدن جعلوا من مدنهم مدن يحج اليها المثقفون و المحتفلون بالثقافة ،مدن أصبح قادتها مؤمنون بأن”: للمهرجانات رب يحميها ”  و يقيها من شر مدافع الايديولوجيين الذين لا تهم في نهاية ممارساتهم السياسة الا الايديولوجية التي يدافعون عليها، و ليس الرفع من جودة حياة الناس .

عبدالسلام بوطيب

المدير العام للمهرجان المتوسطي للحسيمة و الناظور

 

 

معاريف بريس

www.maarifpress.com

 

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads