ولتقريب القراء و المهتمين أكثر و توضيح الصورة لصناع القرار بشكل أتم, سأستعرض بشكل خاطف بعض مزايا هذا الشكل من الإقتصاد لعل ذلك يرفع من تحسيس المعنيين بأهمية الفكرة و يحفزهم على الإنتفاض في وجه الحلول التقليدية و المستوردة عامة, و التركيز على مخارج مبنية على المعطيات الداخلية و المؤهلات المحلية و التي تنتظر من يصقلها
ما نهدف إليه من خلال هذا المقال هو لفت إنتباه المسؤولين للمخزون الهائل من الفرص الواعدة التي ينطوي عليها هذا النمط من المعاملات الإقتصادية المباشرة إن هو حصل على الدعم الكافي من الحكومات . هذا الدعم يجب أن يرتكز على نقطتين محوريتين , بجانب وضع آليات جانبية تؤثت الأرضية التي ستستقبل النمو السريع لإقتصاد القرب, و هما
ـ أولا: التكوين
بحكم أن الغاية من إقتصاد القرب تتبلور في إستهداف شرائح عريضة من المواطنين و إشراكهم في المشروع , فإن تسهيل و توسيع الولوج لبرامج التكوين ـ و لا أقول بالضرورة مؤسسات التكوين ـ أمر في غاية الأهمية, إذ أنه بدون أقلمة كفاءات و قدرات المواطنين بشكل يخول لهم إكتساب الخبرات الميدانية و المهارات الضرورية لمزاولة المهن و الحرف, فإنه يصبح من الصعب جدا تشجيع و إقناع هؤلاء بخلق مقاولاتهم و أوراشهم الفردية, كما من الصعب جدا أن تتلقى الدعوى لإقتصاد القرب الصدى المنشود و الواسع من طرف عموم المواطنين. و نظرا لقلة مؤسسات التكوين المهني في العديد من الدول النامية و عجزها عن إستيعاب الأعداد الكبيرة المستهدفة, فإن إبداع حلول مرتكزة على ما هو قائم من ظروف و معطيات أصبح ضرورة ملحة لتجاوز هذه العقبة من طرف صناع القرار. أحد هذه الحلول هو إشراك الشركات الفردية و الورشات الحرفية و المهنية القائمة في تنفيذ برامج التكوين, بحيث يتم وضع آليات تحفيزية {ضرائبية على سبيل المثال} لتشجيع أصحابها على إستقبال متدربين بشكل دوري. كما يتم إشراك وكالات التكوين و إنعاش الشغل المتواجدة في مختلف الجهات و الأقاليم في التأطير و التنظيم الميداني و الإداري
ـ ثانيا: الدعم المادي
المقصود بالدعم المادي هنا هو إعطاء الدفعة الأولية التي من شأنها أن تخول للفرد وطأ قدمه في معترك إقتصاد القرب. هذا الدعم يشبه إلى حد كبير ما يصطلح عليه بالقروض الصغرى, إلا أن قيمته أضعف بكثير. فالغاية من القروض في هذه الحالة تتلخص في إقتناء أهم الأدوات اللازمة للشروع في مزاولة الحرفة أو المهنة في أبسط أشكالها. ليس بالضرورة أن يكون الدعم ماليا. فالباب مفتوح للإجتهاد لجعله عيني, كخلق بورصة للأدوات المهنية, مثلا, تشرف عليها الوزارات ذات الإختصاص, يلجأ إليها المهتمون لإقتناء أو كراء ما يلزمهم من أدوات جديدة أو مستعملة بأثمنة و شروط ميسرة
كلما تجولت في مدن المغرب, و خصوصا في أحيائه الجديدة أو تلك التي هي في طور الإنجاز, إلا و لفت إنتباهي ذلك الكم الهائل من المحلات التجارية الغير مستغلة. فلا أكاد أرى بيتا يخلو من محلات تجارية في طبقها الأرضي, حتى و إن لم يكن لموقعه صبغة تجارية أو صناعية حقيقية. الواضح أن الكل أصبح يراهن على الأعمال الحرة بعدما إنقطع وريد الرزق من المؤسسات الحكومية, ناهيك عن جمود القطاع الخاص بشقيه الصناعي و الخدماتي. كما يبدو أن المغاربة استوعبوا الدرس جيدا من ما آل إليه الإقتصاد المعولم و محدوديته, فبادروا بحسهم الواقعي إلى الإعداد لإقتصاد القرب الذي وجدوا فيه جادتهم
الواضح كذلك أن جاهزية البنية التحتية التي باتت متوفرة في بوادي و حضر المملكة {المحلات التجارية و المهنية} تدل, بما لا تخطأه العين, على إستعداد متقدم لمختلف شرائح المجتمع و رغبة حقيقية منها لخوض غمار إقتصاد القرب بكل ما يعده من آفاق و ما ينطوي عليه من تحديات. يبقى السؤال الأهم و الذي يطرح نفسه بشدة هو هل ستكون الحكومة الحالية و الحكومات اللاحقة في مستوى وعي المواطنين أم أنها ستستمر في غض البصر عن الموارد المحلية المتوفرة و المراهنة على حلول مستوردة من المحال تحقيقها.