صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

قصة الفضائح الجنسية في الفاتيكان

مقدمة كتاب “فاتيكان جيت”

هذا الكتاب يحكي قصة يمكن تلخيصها في المشاهد التالية.
المشهد الأول:
أتابع منذ سنوات قصة الفضائح الجنسية في الفاتيكان، ونشرت عنها عدة مرات في مقالاتي في جريدة “البيان” الإماراتية، وخلال العام 2010 بدأت أبني نموذجاً للتنبؤ بمستقبل كرسي الاسكندرية  (الكنسية القبطية الأرثوذكسية في مصر ) وكرسي الفاتيكان، ونشرت هذا التصور في كتابي: “خريف الباباوات”.
وقد أثبتت الأحداث اللاحقة – وصولاً إلى استقالة بابا الفاتيكان السابق – أن كرة الثلج تتدحرج وتكبر، ولا شك في أنني شعرت بقدر من الرضا عن النبوءة التي بدت وقت إطلاقها مثيرة للجدل.
ولله الحمد أولاً وآخراً.
وقد تابعت ما بعد صدور الكتاب  (خريف الباباوات ) وعزمت على إصدار هذا الكتاب لأتناول فيه أزمة الفاتيكان.
المشهد الثاني:
تواجه الفاتيكان “أسوأ أزمة بتاريخ الكنيسة الكاثوليكية”.
هذا ما لخصه تقرير لقناة الجزيرة، وهو واحد من مئات وربما آلاف التقارير المشابهة في الإعلام المقروء والمرئي، التقليدي والافتراضي في عشرات اللغات الحية. والتقرير – وهو مجرد نموذج – ينقل عن تغطيات الصحافة الغربية لأزمة الانتهاكات الجنسية.
فبعد تسارع وتيرة الكشف عن مزيد من فضائح تحرش أساقفة كنيسته بالأطفال جنسياً، واعتبار البعض في أيرلندا الاعتذار الذي قدمه بهذا الشأن سبة وإهانة. فقد وصف رئيس المركز الإيطالي لاكارامايا بوينا المتخصص في مناهضة التعذيب بحديث نقلته عنه صحيفة “ذي أوبزيرفر” البريطانية، الكنيسة، بأنها اليوم “مذعورة” مع الكشف عن عدد متزايد من ضحايا الاستغلال الجنسي في البلاد التي هي مهد أكبر تجمع لرجال الدين الكاثوليك.
وحسب التقرير نفسه، فإن “قضايا الاستغلال الجنسي للقاصرين التي دونتها ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة”، وبخاصة أن كثيراً من الضحايا لا يزالون مترددين في الكشف عما حل بهم. وعند الحديث عن الانتهاكات في إيطاليا، مثلاً، فإن هناك من يرى أن الفاتيكان ضاعف جهوده “في هذا البلد مقارنة بغيره من البلدان للتستر على ما اقترفه الأساقفة هناك من استغلال”، وخاصة بسبب القرب والنفوذ الكبير هناك. ويرى المحامي الإيطالي سيرجيو كافالييري الذي أعد ملفات لـ 130 قضية استغلال أطفال جنسياً من طرف رجال دين كاثوليك، أن حديقة الفاتيكان الخلفية ربما تشهد موجات من كشف فضائح الاستغلال الجنسي كما حدث بأيرلندا والولايات المتحدة وألمانيا.
ومن الأمور المؤكدة الآن أن المشكلة لم تعد أميركية ولا أيرلندية، بعد أن هزت فضيحة استغلال الأطفال القاصرين جنسياً أوروبا كلها. لهذا فإن صحيفة لوس أنجلوس تايمز نقلت عن مراقبين من داخل الكنيسة الكاثوليكية وخارجها قولهم إن المشكلة أصبحت اليوم مشكلة الفاتيكان، بل غدت تزحف شيئاً فشيئا باتجاه البابا نفسها. وأكدت مجلة ناشيونال كاثوليك ريبورتر الصادرة بالولايات المتحدة أن “التركيز ينصب الآن على بنديكت” وطرحت بافتتاحيتها الأسئلة التالية:
“ما الذي كان يعرفه؟
ومتى اطلع عليه؟
وكيف تصرف بعد اطلاعه عليه؟
وانتقدت بعض الجهات الطريقة التي انتهجها البابا حتى الآن في تعامله مع هذه الفضائح, إذ نسبت لوس أنجلوس تايمز للمتحدث باسم حركة “نحن الكنيسة” كريستيان ويسنر قوله “إذا كان البابا يريد أن يحل المشكلة عبر توجيه رسائل مكتوبة إلى كل بلد توجد به أزمة، فإن ذلك لن يجعل حدا لشيء”. الواضح حسب الصحيفة, أن البابا لم يُرض حتى الآن الكثير من الكاثوليك سواء بأوروبا أو أميركا من الذين يطالبون بمزيد من الشفافية والقرارات الصارمة ضد من يتهمونهم في الهرم الكنسي بتدليل الكهنة المتعسفين والتستر على المشكلة. وتنقل لوس أنجلوس تايمز عن صحيفة ذي كاثوليك المستقلة وصفها لما تمر به الكنيسة اليوم بأنه “أكبر أزمة مؤسساتية تشهدها في قرون بل ربما خلال تاريخها كله”. وترى هذه الصحيفة المستقلة أن الكيفية التي سيتعامل بها بنديكت مع هذه القضية أي ما سيقوله بشأنها وما سيفعله وما سيقدمه من علاج هو الذي سيحدد –على الأرجح “الصحة المستقبلية للكنيسة للعقود – وربما للقرون – القادمة”.
من ناحية أخرى، نددت سينيد أوكنور، وهي أخصائية موسيقى وأم لأربعة أطفال مقيمة بدبلن بأيرلندا في مقال لها في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، باعتذار البابا للأيرلنديين واعتبرته سبة وإهانة. وفي بداية مقالها استعرضت أوكنور مكانة الأساقفة في قلب العامة، قائلة إنها وهي طفلة كانت ترى الناس يفسحون الطريق أمام الأساقفة وكان اللاعبون في المنافسات الرياضية ينحنون لتقبيل خاتم الأسقف تيامنا, بل إن العبارة الشائعة “لا أحد يتمتع بالكمال” كان الناس يقولون بدلا منها “يمكن أن يحدث هذا الأمر حتى لأسقف”. وأضافت “لكن ها هو اليوم البابا يبعث برسالة اعتذار رعوية للتكفير عن عقود من الاعتداء الجنسي للكهنة على أطفال قاصرين كانوا يثقون بهم”. وأشارت الأم إلى أن هذا الاعتذار يعطي الانطباع بأن بنديكت لم يسمع عن الاستغلال الجنسي إلا مؤخراً، بل يبدو في هذا الاعتذار كما لو كان هو نفسه ضحية. وهي ذكرت بالرسالة التي كان بنديكت أرسلها إلى الأساقفة الكاثوليك عبر العالم عام 2001 وحذرهم فيها من البوح بأي شيء يتعلق بقضية الاستغلال, مهدداً من يخالف أمره بالعزل من الكنيسة. ولهذا فإن أوكنور اعتبرت اعتذار البابا اليوم مجرد إهانة وتحقير ليس لعقول الأيرلنديين فحسب وإنما لعقيدتهم وبلدهم, مطالبة الكنيسة بإصلاح نفسها والتعامل مع الأيرلنديين حسب ما يستحقونه من تقدير.
المشهد الثالث:
“بعد 8 سنوات حافلة بفضائح قساوسة الكاثوليك الجنسية بابا الفاتيكان يعلن تخليه عن منصبه”.

بهذا لخصت الصحافة – والمصدر هنا جريدة العرب اليوم الأردنية – الإعلان “غير المسبوق” في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، الذي أنهي باباوية بنيديكتوس السادس عشر. وهو في بيان أصدره قال أنه: “بعد مراجعة ضميره توصل إلى قناعة بأنه لم يعد قادرًا بسبب تقدمه في السن على القيام بواجباته على أكمل وجه”، فيما وصف المحللون السياسيون استقالته بأنها نهاية ثماني سنوات عاصفة ومحزنة، فهو جاء حاملاً صفات المفكر المحافظ القادر على مواجهة التحديات، إلا أن أغلب رسائله لم تصل إلى الأسماع، لأسباب منها: سلسلة من خلافات جدلية كانت من صنعه، واحتجاجات غاضبة، لاسيما في أوروبا، بسبب ارتكاب قساوسة كاثوليك انتهاكات جنسية مع أطفال.
وذكرت صحيفة “الغارديان البريطانية” أن راتزينجر أمضى ما يقرب من ربع قرن داخل الفاتيكان الأمر الذي جعل من المنطق أمام الكرادلة الذين اختاروه لمنصب البابا أن يفترضوا فيه الوعي الكامل بما يدور في الفاتيكان وحرصه على تحسين مسيرته، ورغم نفوذه وكونه كان الملازم الأمين وموضع ثقة البابا جون بول الثاني، لكن البابا الألماني الجديد في واقع الأمر كان يكتنفه التناقض والمفارقات، ومن ناحية أخرى فقد كان على المستوى الفكري والذهني شخصية لا تعرف الرحمة ولا الشفقة ولا عجب في انجذابه إلى لقب “كلب الرب الحارس”. إلا أنه، مثل كثيرين غيره من العلماء، كان مترددًا ويفتقر إلى الشجاعة والحيوية والقوة اللازمة لإصلاح القساوسة الذين يقاومون التغيير. وتطرقت الصحيفة البريطانية إلى تاريخ من فضائح رجال الدين في عهده قائلة إن “سنواته الثماني التي أمضاها زعيمًا للكاثوليك في العالم حفلت كلها تقريبًا بالفضائح. وقد كانت الفضائح موجودة من قبل تقلده للمنصب، في كل من الولايات المتحدة وأيرلندا، إلا أن العام 2010 شهد سلسلة من الفضائح الجنسية العلنية في عدد من البلدان الأوروبية ولاسيما في النمسا وبلجيكا وهولندا والنرويج وألمانيا”. بل إن البابا نفسه تأثر بواحدة من تلك الفضائح عندما كان رئيس أساقفة ميونيخ، حيث سمح بعودة أحد رجال الدين المعروف بميوله الجنسية نحو الأطفال للقيام بممارسة واجباته الكهنوتية والتواصل مع الأطفال.
لقد كان هذا الفيض من الفضائح نكسة لبرنامج بينيدكت البابوي والهدف الذي وضعه لنفسه والذي انتخب من أجله المتمثل في إعادة إحياء التبشير في أوروبا المعروفة بقلب الكاثوليكية. وتشير دراسات مسحية إلى ان عدد المؤمنين الكاثوليك في أوروبا بات أقل مما كان عليه قبل انتخابه لمنصب البابا، ولعل السبب في ذلك يرجع في جانب كبير منه إلى غضب الجماهير الكاثوليكية ويأسها، بسبب فضائح الانتهاكات الجنسية التي تورط فيها القساوسة. وقد سادت الموالين للكنسية حالة شديدة من السخرية والتهكم. يذكر أنه خلال عام 2001 قام البابا السابق جون بول الثاني بإحالة قضايا الانتهاكات الجنسية إلى المجمع الديني الذي كان يرأسه آنذاك راتزينجر الذي اكتفى بالإعراب عن أسفه وصدمته لما اطلع عليه من شهادات في تلك القضايا. ويرى أنصاره أنه “كان ينوي مثل سلفه استخدام سلطاته لمنع ارتكاب القساوسة الكاثوليك للانتهاكات الجنسية مع الأطفال”. وقد أشار إلى ذلك عام 2005 لحظة احتضار البابا جون بول عندما قال: “إن الفحش والقذارة في الكنيسة”. والبابا كان يفتقر إلى القوة والحيوية الكافية واللازمة للتعامل مع ظاهرة الشذوذ الجنسي مع الأطفال في أوساط القساوسة رغم الإجراءات المشددة الموضوعة في هذا السياق، فقد “تردد الأساقفة في إبلاغ السلطات المدنية بتلك الانتهاكات الأمر الذي يكشف سبب عدم ظهور الأدلة على تلك الانتهاكات الجنسية قبل ذلك”. والبابا افتقر إلى القوة اللازمة لتحقيق أهدافه، إذ لم يسع لإدخال إصلاحات للتدقيق في احتمالات تورط القساوسة في مثل هذا الانتهاكات قبل تعيينهم لأداء المهام الدينية، وكان على قناعة بأن خطايا القساوسية ما هي إلا عن نقص في الورع والتقوى وليس بسبب عيوب في الإجراءات الداخلية في الكنيسة.
وعزا تقرير صحفي استقالة البابا بنديكت السادس عشر من منصبه إلى الكشف عن شبكة من الأساقفة الشاذين جنسياً داخل الفاتيكان، وامتنع الناطق الرسمي باسم البابا عن تأكيد أو نفي التقرير الذي أوردته صحيفة “لا ربوبليكا” اليومية الإيطالية.
وقالت الصحيفة الإيطالية إن البابا اتخذ قرار استقالته في 17 ديسمبر، وهو اليوم الذي تلقى فيه ملفاً جمع بياناته ثلاثة من الكرادلة، أُنيطت بهم مهمة النظر في قضية تسريب وثائق سرية من الفاتيكان فيما عُرف بفضيحة: “فاتيليكس”. وكان باولو غابرييلي – كبير خدم البابا قد اعتُقل بتهمة سرقة وتسريب مراسلات بابوية صورت الفاتيكان على أنه بؤرة تمور بالدسائس والصراعات الداخلية.

المشهد الرابع:
مشهد صدام واسع بين الفاتيكان والإعلام الغربي، حيث حاولت الكنيسة تفسير الحجم الكبير من الاهتمام بالفضيحة بتفسيرات تآمرية وجدت في الإعلام “الشيطان المناسب” اتذي يمكن تحميله المسئولية، وذلك عبر اتهامه بالتصيد والتضخيم وتعمد صفية الحسابات مع الفاتيكان.
فحسب تقرير نشرته شبكة النبأ الإخبارية، ترأس البابا بنديكتوس السادس عشر قداس “الجمعة العظيمة” في الوقت الذي تمر فيه الكنيسة الكاثوليكية بواحدة من أصعب المراحل في تاريخها بسبب فضائح التحرش الجنسي بالاطفال. ومنذ 2008 لم يشارك البابا، الذي بلغ عامه الـ 83، في إحياء مراحل درب الصليب مكتفياً بالمشاركة في المحطة الأخيرة منها بحمل الصليب الخشبي، إلا انه ترأس هذا العام مراسم درب الصليب مساء الجمعة بعد قداس آلام المسيح، من شرفة مون بالاتين. و”يرتدي درب الآلام هذا العام طابعاً خاصاً بعد سلسلة قضايا التحرش الجنسي بالأطفال التي اثيرت حول رجال دين في أوروبا، والتي جرى التكتم عليها في معظم الأحيان من طرف الكنيسة. واعتبر الرئيس السابق للأساقفة في ايطاليا الكاردينال كاميلو رويني، كاتب الـ “تأملات” التي تقرأ في كل مرحلة من مراحل درب الصليب، ان الكنيسة الكاثوليكية “تجتاز درب الآلام”. ! !
وهو قال في حديث مع إذاعة الفاتيكان إن “الآلام سببها الاخطاء التي ارتكبها ابناء الكنيسة وخاصة الكهنة، إضافة إلى الرغبة بالهجوم على الكنيسة”، مندداً بالانتقادات الخارجية التي من شأنها “نَـزْع الايمان بالله من قلوب الناس”. وقال الصحافي المتخصص في تغطية أخبار الفاتيكان برونو بارتيلوني في حديث مع فرانس برس إن “هذا الوقت هو الاصعب منذ نشرت كتابات البابا بولس السادس حياة البشر  (ضد كل وسائل منع الحمل ) في 1968”. وأضاف “نشأت آنذاك أزمة شديدة ترافقت مع هجوم شخصي على البابا وعلى الكنيسة بشكل عام”. واليوم، يتهم البابا بنديكتوس السادس عشر بالتستر على كهنة متورطين في التحرش الجنسي، ويطالب البعض باستقالته. ويتابع برونو “هذه ليست المرة الأولى  (… ) كانت هناك دعوات أيضاً لاستقالة البابا بولس السادس بسبب كتاباته”. وتصدى الفاتيكان وعدد من الكهنة للدفاع عن الكنيسة ورأسها في مواجهة هذه الأزمة التي تهزها، فيما هي تحيي ذكرى صلب السيد المسيح وقيامته، بحسب المعتقد المسيحي.
وقال الأب جيروم ليستيكي رئيس اساقفة ميلووكي  (شمال الولايات المتحدة ) حيث تعرض البابا لانتقادات عنيفة ولا سيما من صحيفة نيويورك تايمز: “هناك اخطاء وقعت، ولكن ليس في روما”. وهاجم الفاتيكان صحيفة نيويورك تايمز لتغطيتها لانتهاك جنسي من جانب قساوسة لأطفال رافضاً اتهامات بأن البابا بندكت أساء معالجة سلسلة من قضايا الانتهاك قبل انتخابه. وفي إشارة إلى انه قرر خوض غمار المواجهة في رد فعله على تغطية الانتهاك الجنسي أشار الفاتيكان في بيانه بالتحديد إلى اثنين من الصحفيين وكاتب رأي. وقال البيان المؤلف من 20 فقرة وكتبه الكردينال وليام جي ليفادا:
“أطلب من التايمز إعادة النظر في أسلوبها الهجومي بشأن البابا بندكت السادس عشر وإعطاء العالم وجهة نظر أكثر توازنا عن زعيم يمكنه الاعتماد عليه وينبغي أن يفعل ذلك.” وخلف ليفادا وهو أمريكي البابا على رأس هيئة العقيدة في الفاتيكان بعد انتخاب البابا عام 2005. وأفادت صحيفة نيويورك تايمز أن الفاتيكان والكاردينال جوزيف راتسينجر الذي أصبح البابا بندكت تلقيا تحذيرا بشأن ميرفي لكنه لم يعزل. وذكرت الصحيفة أن تغطيتها “اعتمدت على تقارير ووثائق دقيقة.” وقالت في بيان: “بعض التفاصيل أكدتها الكنيسة ولم يشكك أحد حتى الآن في الحقائق التي ذكرناها.” وتابعت: “المزاعم عن انتهاك داخل الكنيسة الكاثوليكية موضوع خطير كما اعترف الفاتيكان في مناسبات كثيرة. أي دور قد يكون البابا الحالي لعبه في الرد على تلك المزاعم على مدى السنين هو جانب مهم من هذه القصة.” وهاجم ليفادا وهو كبير الاساقفة السابق لسان فرانسيسكو ومساعد وثيق للبابا التقرير الرئيس للصحيفة عن فضيحة الانتهاك الاسبوع الماضي بالاضافة الى افتتاحية ووصفهما بأنهما: “معيبان حسب أي معايير معقولة للنزاهة” ودافع عن الطريقة التي تعاملت بها الكنيسة والبابا مع قضية ميرفي. وتضمن البيان انتقاداً مفصلاً لتغطية التايمز للمسألة، وأيضاً دفاعاً مفصلاً بالقدر نفسه عن البابا الذي قال ليفادا انه فعل الكثير حتى قبل انتخابه لتغيير الطريقة التي تنظر بها الكنيسة لقضايا الانتهاك الجنسي. وفي وقت سابق هرع طلاب الجامعة الكاثوليكية المحافظة من جماعة أوبوس داي للدفاع عن البابا وهاجموا الصحفيين الذين كتبوا عن الانتهاك الجنسي لأطفال من جانب قساوسة باعتبارهم “ينثرون بذور الشك.”
وجاء في خبر نشرته التايمز: “لقد تحرَّك الفاتيكان لعرقلة محاولة ترمي لإرغام البابا بنديكتوس السادس عشر على المثول أمام إحدى المحاكم الأمريكية كان قد رفع محام أمامها مذكّرة تسعى لجعل الحبر العظم يدلي بشهادته تحت القسم حول ما يعرفه عن فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال.” ويتمتع البابا بنديكتوس بالحصانة الدبلوماسية بصفته رئيسا لدولة الفاتيكان. وبهذه المقدمة يبدأ تقرير لمراسل التايمز اللندنية في العاصمة الإيطالية روما، ريتشارد أوين، وتسلِّط الصحيفة من خلاله الضوء أيضا على مساعي الفاتيكان لتطهير سمعة الكنيسة الكاثوليكية وتنظيف البيت من الداخل بعد الضرر البالغ الذي لحق بها مؤخرا جرَّاء الاعتداءات الجنسية المزعومة لرجال الدين على الأطفال في العديد من الدول. ينقل تقرير التايمز عن جيوسيبي دالاّ توري، رئيس محكمة حاضرة الفاتيكان، قوله إن البابا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية بصفته رئيسا لدولة الفاتيكان، وبالتالي لا يمكن استدعاؤه للمثول أمام المحكمة كشاهد. وفي فضاء الإعلام، اشتد السجال حول الاتهامات الموجهة الى اسلوب تعاطي البابا بنديكتوس السادس عشر مع الفضائح التي طاولت الكنيسة الكاثوليكية في العديد من البلدان بسبب تورط رجال دين في اعتداءات جنسية على أطفال. وتساءلت صحيفة اندبندنت البريطانية في افتتاحية: “كيف يمكن لكاثوليك أن يفعلوها؟ كيف تمكـَّن كهنة  (يعتدون على الاطفال جنسياً ) من مواصلة الاحتفال بالقربان المقدس؟”. وفي إسبانيا نقلت صحيفة ال باييس عن أستاذ في اللاهوت استغرابه من “السهولة التي تربط فيها الكنيسة الكاثوليكية مباشرة الخطيئة بالجريمة في ما يتعلق بالاجهاض  (… ) وصعوبة القيام بالمثل عند التعاطي مع استغلال جنسي يقوم به اشخاص نذروا انفسهم لله”. وأشار استطلاع للرأي نشرته صحيفة شتيرن الألمانية إلى أن 17% من الألمان أعربوا عن ثقتهم في الكنسية الكاثوليكية  (مقابل 29% في أواخر يناير ) و24% في البابا  (مقابل 38%، وغالباً يكون حكم الرأي العام قاسياً جداً. وقال مشارك في نقاش في صحيفة لو ماتان السويسرية: “من المؤكد أن البابا هو أكثر من ارتكب خطايا في الكنيسة الكاثوليكية برمتها”.
المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي اكد ان البابا “لم تضعفه” تلك الهجمات. وقال عبر اذاعة الفاتيكان إن “الحملات الاعلامية الأخيرة ألحقت الضرر بالطبع لكن سلطة البابا والتزام مجمع العقيدة والايمان مكافحة الاستغلال الجنسي لم يضعفا، بل تعززا”. وما زال عدد كبير من الكاثوليك يذكر الكلمات الحادة التي القاها جوزف راتزينغر قبل اسابيع من وفاة سلفه يوحنا بولس الثاني وانتخابه مكانه. وقال البابا الحالي في مارس 2005: “كم من شائبة تطبع الكنيسة، ولا سيما بين اعضاء الأكليروس الذين ينبغي أن ينتموا اليها بالكامل !  (… ) غالبا، إلهي، تبدو لنا كنيستك كقارب على وشك الغرق، تدخله المياه من جميع الجهات”. وذكر رئيس المجلس الحبري لوحدة المسيحيين الكارينال الألماني فالتر كاسبر بان بنديكتوس السادس عشر “كان أول من شعر بالحاجة إلى قواعد جديدة أكثر قسوة” لمواجهة الاعتداءات الجنسية على الأطفال في وسط الكنيسة. وقال كاسبر في مقابلة في كورييري ديلا سيرا إن “إنشغالنا الرئيسي هو حيال الضحايا  (… ) نحن بحاجة إلى ثقافة تيقظ وإلى شجاعة وإلى البدء بالتنظيف. لا يمكننا العودة عن الطريق التي سلكناها وهذا أمر جيد”. غير ان الخبير في شؤون الفاتيكان ساندرو ماجيستر لفت إلى أن “التنظيف” مرحب به، لكن لا أحد في روما يعتقد أن “ثورة” ستحدث، بحسبه. وأضاف: “كلما فتح جدال يستغله البعض لاقتراح اصلاح كامل للكنيسة”.
المشهد الخامس:
المشهد الخامس تتوالى تطوراته منذ بدء العام 2014 وأصبح فيه – للمرة الأولى – ملف الانتهاكات شأناً دولياً تعالجه الأمم المتحدة. ففي يناير أعلنت الفاتيكان أنه “تم إجبار 400 كاهن على ترك الحياة الكهنوتية في عهد البابا السابق بنديكتوس السادس عشر بعد فضيحة التحرش الجنسي بأطفال من قبل أفراد في الإكليروس الكاثوليكي”. وفي 2012 كان العدد 100 وفي 2011 نحو 300. وفي رد فعل على هذه الإجراءات اعتبرت “شبكة الناجين من ضحايا العنف الجنسي” على أيدي كهنة هذه الإجراءات التأديبية “غير كافية”، وقالت الشبكة الناجين في بيان لها إن “على البابا أن يحمل كهنة يتسترون على الجرائم الجنسية على ترك الحياة الكهنوتية وليس فقط أولئك الذين يرتكبون هذه التجاوزات”. وكان البابا بنديكتوس السادس عشر الذي استقال العام الماضي من منصبه، قد أصدر توصيات بعدم التساهل إطلاقاً مع الكهنة المتهمين بالتحرش الجنسي بأطفال. وأقر الفاتيكان بأنه تلقى من الإبرشيات المحلية آلاف التقارير تفيد عن حصول هذه التجاوزات، فيما أن الملاحقات الداخلية من مسؤولية مجمع عقيدة الإيمان، لكن أعماله لا تُنشَر عادة. وقد تمت – للمرة الأولى – مطالبة الفاتيكان بتقديم إيضاحات أمام الأمم المتحدة حول التدابير المتخذة لمكافحة التحرش بالأطفال، فيما أعرب البابا فرنسيس عن شعوره بـ”العار” حيال فضائح الكنيسة.
وفي يوليو 2013، وللمرة الأولى في تاريخ الفاتيكان، طلبت هيئة حقوقية رفيعة المستوى تابعة للأمم المتحدة من الفاتيكان تزويدها بتفاصيل آلاف حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال. وكان البابا فرنسيس قد قال بعد اختياره إن مواجهة ظاهرة الانتهاك الجنسي هي قضية أساسية للفاتيكان. وكان سلفه أيضاً، البابا بنيديكت السادس عشر قد تعهد بتخليص الكنيسة الكاثوليكية من “دنس” الانتهاكات الجنسية لرجال الدين. ويقول مراقبون إنه ذهب ابعد ممن سبقوه في علاج الظاهرة لكن هذا لم يكن كافياً.
يذكر أن “ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل” ملزم قانوناً للدول التي توقعه، وقد أرسلت الهيئة القائمة على الميثاق ومقرها جنيف لائحة من القضايا إلى الفاتيكان وطلبت معلومات مفصلة حول جميع حالات الانتهاك الجنسي التي تعرض لها أطفال. وترغب الهيئة في الحصول على معلومات عما إذا كان المنتهكون قد بقوا في مراكزهم الوظيفية، وما إذا كان تقديم تقرير حول حوادث الانتهاك إلزامياً، كما طلبت معلومات عن الدعم الذي حصل عليه الضحايا، وإن كانت اي شكاوى قد جرى إسكاتها والتغاضي عنها.
وفي تطور تالٍ، في فبراير 2014 انتقدت الأمم المتحدة بشدة الفاتيكان بسبب تبنيه سياسات تسمح “بشكل منهجي” للقساوسة بالإساءة الجنسية إلى آلاف الأطفال مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي. وأضافت “لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الطفل” أن الكرسي البابوي يجب أن “يقيل فوراً” جميع رجال الدين المعروفين بأنهم أساءوا إلى الأطفال أو الذين يشتبه بأنهم قاموا بذلك. وجاء في تقرير اللجنة الأممية أن الكرسي البابوي يجب أن يفتح الملفات بشأن رجال الدين الذين “أخفوا جرائمهم” حتى تتسنى مساءلتهم، وأضاف التقرير أن الأمم المتحدة تشعر بقلق بالغ من أن الكرسي البابوي لم يعترف بحجم الجرائم المرتكبة. ويأتي تقرير الأمم المتحدة بعدما استجوب مسؤولو المنظمة الدولية في جسلة علنية بجنيف مسؤولين في الفاتيكان بشأن عدم موافقة الكرسي البابوي على الكشف عن البيانات المتعلقة بهذه القضية وطبيعة الخطوات المتخذة من طرف الكنيسة الكاثوليكة لمنع حدوث انتهاكات جديدة مستقبلاً. وكان الفاتيكان رفض في وقت سابق طلباً من المنظمة الدولية بشأن الإفراج عن البيانات المطلوبة على أساس أن الفاتيكان لا ينشر سوى المعلومات إذا طلبها طرف آخر كجزء من الإجراءات القانونية.
وفي مايو 2014 أصدر الفاتيكان إحصاءات شاملة بشأن كيفية معاقبة القساوسة المتهمين بالاغتصاب والتحرش بالأطفال للمرة الأولى، معلناً فصل 848 قسيساً، فيما وقع عقوبات أقل على 2572 آخرين خلال العقد الماضي….. ومنذ عام 2004 تمت إحالة أكثر من 3400 قضية اعتداء جنسي إلى الفاتيكان بينها 401 حالة في عام 2013.
وهذا الكتاب محاولة للتقصي والفهم معاً.
أسأل الله أن ينفع به


 

معاريف بريس

ممدوح الشيخ

www.maarifpress.com

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads