صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

من أجل وعي سياسي برلماني

 

 

       

 

      هل يمكن الحديث عن بداية الوعي السياسي المغربي للمثلي الأمة بعد الخطاب الملكي الافتتاحي للدورة الخريفية؟  لا يمكن الحسم في ذلك مبكرا بل لا بد من انتظار حدوث الصدمة التي تكون وليدة الانزلاق الذي يسبق السقوط واستعادة التوازن بفضل ذوي الضمائر الحية في هذا الوطن وهم لحسن الحظ كثيرون ولكن لا يجدون منافذ الدخول لخدمة الشأن العام نظرا لاحتكاره من قبل مجموعات لا هم لها سوى الجمع بين السلطة لحماية الأول من خلال الثانية ، فالسياسة فيها العطاء ولا شيء غير العطاء لأن من يعمل في الحقل السياسي وينتظر الأخذ فهو تاجر ، لأن العمل السياسي  يميزه عن باقي الأعمال هو ذلك الإحساس برؤية الابتسامة على شفاه الفقراء واليتامى وهم يحسون بالدفيء الذي يأتي لا عن طريق الصدقات بل عن طريق الاستحقاق لأنهم من تراب هذا الوطن ولمجرد ذلك ولا شيء غير ذلك .ولكن للأسف العمل البرلماني بالمغرب مازال بطيئا من حيث آلياته الإدارية والسياسية التي تجعل من الفعل السياسي مجرد لحظة قريبة من الاستعراض الفلكلوري عوض أن تكون لحظة مصيرية ترقى إلى لحظة تعبد لمصلحة عليا ما بعدها مصلحة تشغل بال ممثل الأمة، هذه المسؤولية الجسيمة والتي ليست تشريفا بل تكليفا تجعل من يحملها ليس في موقع مريح رغم ما قد يبدو للبعض ، خاصة بالنسبة لمن له ضمير حي لا ينام في طمأنينة لأنه مازال لم يوف كل الحقوق لأصحابها .وبالخصوص أن المتزاحمين لولوج بوابة البرلمان هم من ذوي الهدف المحدد والضيق ، المصلحة الخاصة للفرد أو الفئة وقليل منهم من يهتم بالمصلحة العامة بل كثير منهم يتعسف في استعمال هذا المصطلح دون حتى التروي في عمق معانيه.                                                           لحد الأن مازال البرلمان حلبة للصراع من أجل المصالح الذاتية وكثيرة هي المشاهد التي تثبت ذلك ، فبالأمس القريب كان العراك بالأيدي بين برلمانيين من فريقين يمثلان نفس المدينة العريقة ، والمفارقة أن ذلك تم مباشرة بعد الخطاب الملكي أمام البرلمان ، مما يدل أن الوعي السياسي ليس حاضرا في ذهن بعض ممثلينا البتة بل إن السلوك السوي للعقلاء لا يصل لمستوى التشابك بالأيدي في مؤسسة دستورية وجب أن تحظى بالاحترام والتقدير لأنها محراب صيانة الرأي ومعبد الحرية أو هكذا وجب أن يكون ، أما إذا تحول إلى حلبة ملاكمة فسلام على الحوار والديموقراطية وأهلا بالغوغائية  ولبناء الوطن على أسس سليمة لابد من الحوار الهادئ ولابد من الخلاف والمعارضة في الرأي والكل يجب أن يحمي الرأي كيفما كان في حدود النظم القانونية المتعارف عليها عالميا، دون إقصاء أحد أو جهة أو معتقد مادام يعبر ويمارس مبادئه بسلمية ووفق ما تنص عله القوانين المتوافق عليها حسب التعداد الأغلبي دون ممارسة دكتاتورية الأغلبية وإقصاء الأقلية من المشاركة في اتخاذ القرارات .      

  ومن الواضح أن الخطاب الملكي وضع الأصبع على موطن الخلل في الخطاب السياسي للنخب البرلمانية الذي ‘لا يرقى إلى مستوى ما يتطلع اليه المواطن ” لأنها نخب مصلحية ولا تحمل مبادئ نبيلة وراقية و التي هي أصل العمل السياسي  وعمادها لأن السياسة بلا أخلاق ومبادئ عبارة عن آلة جهنمية قد تقضي على صاحبها وعلى المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي للبلد التي تمارس فيه. وتلك إشارة ليست عابرة في خطاب رئيس الدولة بقدر ما هو تحذير يجب أخذه بجدية ، لم يورد في نص الخطاب إلا وقد توقفت الدراسات والاستخبارات على معلومات وشواهد وممارسات تدل على المستوى المتدني للعمل البرلماني ، مما ينبئ بتهديد النظام الديموقراطي الذي يسعى النظام السياسي تبنيه بل الاندماج في ممارسته والخروج من مرحلة الانتقال الديموقراطي إلى مرحلة الديموقراطية وجني ثمارها من قبل الشعب الذي طالما انتظر على حساب حياته وصحته ومستقبله.                      .                                                               إن الخطاب الملكي ليوم الجمعة 10//10/2014، كان صريحا حيث شخص السلوك البرلماني بشكل دقيق بأنه سلوك ينبعث منه التركيز في الأنانية للحفاظ على مصالحه ونسيان أن العمل البرلماني هو التركيز على الشأن العام و”القرب من المواطن والتواصل معه” بشكل دائم. إلا أن واقع العمل البرلماني يكاد يكون في اعتقاد النخب السياسة المغربية ترقية اجتماعية للتميز عن العامة من المواطنين ولتكون لهم الحظوة للحصول على ورقة المرور البيضاء إزاء كل الحواجز التي تعترض المواطن العادي في الإدارات في الحصول على الحقوق في القضاء في التعليم وبالجملة في الحياة اليومية وقضاء الحاجيات الضرورية. 

 لم يعد الزمن السياسي المغربي  يحتمل مزيدا من التماطل والتلاعب به والدخول في مزيد من المتاهات ، فالعمل البرلماني يجب أن يركز تفكيره في إقامة الجهوية(1) على الأسس السليمة وعدم جعلها جهوية عرجاء قد تعود علينا بعكس المرجو منها  ، ونعلم أن الجهوية علاوة أنها إطار إداري وترابي ومجموعات بشرية لها من المشترك ما يؤهلها لبناء مجتمع جهوي مستقل لتسيير شأنه وربط علاقات مع باقي الجهات ضمن تناغم وتقاسم للخيرات ، فهي قبل كل شيء مرحلة متقدمة لتطبيق الديموقراطية في كل مستويات الدولة بحيث يبقى القانون هو الفيصل في كل خلاف ولا شيء غير القانون  ، طبعا بعد أن يكون هذا القانون نتاج نخب سياسية واعية تعمل في نطاق المصلحة العليا للبلد وتتجند لها مهما كانت الظروف والمخاطر، لأن الوطن لا بديل له مهما ضمنت العيش بالمال أو السلطة ، فبلا وطن لا ينفع لا هذا ولا ذاك ، لذا وجب الاعتزاز دوما وأبدا بمغربتينا ، كما جاء في الخطاب الملكي”    ” كواحد من المغاربة، فإن أغلى إحساس عندي في حياتي هو اعتزازي بمغربيتي”  إن الوعي السياسي البرلماني له مرتكز أساسي ، يعتمد على وعي المواطن الذي يمنحه صوته ، فهذا الأخير حلقة أساسية في المسلسل الديموقراطي لأن منه واليه تنتهي اللعبة السياسية كلها والبرلمانية بالأساس التي نحن بصددها ، فصوته إن وظفه في الخانة الصحيحة والشخص المناسب والحزب الفعال والجدي – ولو أصبح من النادر- إلا أن العمل السياسي يتطلب تنفس الأمل العريض وعدم السقوط في حلم اليقظة في نفس الوقت .        

  كما أن الوضع السياسي المغربي  ليس سليما تماما، لأنه نتاج سنوات من التراكمات التي علقت بالعقل الجماعي وأفرزت واقعا مغربيا فيه كل تلك التناقضات والمفارقات التي يصعب تنقيتها بين عشية وضحاها بل لابد من تكاثف الجهود بين جميع مكونات الشعب المغربي وحبذا لو كانت النخب السياسية والمثقفة على مستوى معين من الوعي الشفاف وليس الوعي المقلوب الذي اكتسبته من وضع تقليدي  ومحافظ على المصالح الضيقة دون العلم أن المصلحة الخاصة تكون مضمونة بضمان المصلحة العامة وفي إطار دولة الحق والقانون .                        .                                                                   هل سنضمن العبور لبر الأمان ببرلمان مازال ينظر للمصلحة من خلال مصالح الفرد والحزب والطبقة والفئة والجهة ،ومواطن يستصغر شأنه فيبيع صوته لشخص سيبيعه مباشرة بعد التصويت عليه؟ ذلك ما سنراقبه خلال الانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة وحدها النتائج هي التي ستحدد مصيرنا الديموقراطي للمرحلة القادمة وهل دخلنا دائرة الوعي السياسي أم سنظل ندور على نفس صخرة سيزيف ؟ 


www.maarifpress.com

الحسين أربيب

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads