صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

“من الثورات العربية وُلد الكائن المستقل بعدما سحقته المجتمعات”

بأصابع كفّ واحدة أعاد رتق ثوب الحياة. فأنزلت عليه هذه الحياة في “ليلة القدر” (عنوان روايته الفائزة بجائزة غونكور) ليالي وأقداراً من الكتابة.

الأديب المغربي بالفرنسية الطاهر بن جلّون ضيف رحّبت به جامعة القديس يوسف في حرم العلوم الإنسانية (طريق الشام) أمس في “مهرجان ربيع بيروت” الذي تنظّمه “مؤسسة سمير قصير”. أتى صحبة رؤيته إلى الأوضاع العربية الراهنة التي تفوح منها الثورات. وخصّ بالتحية لبنان “الغالي عليّ حتى لو لم أُكثر من زياراتي له. غير أنني فيه أجد جزءاً من بلادي، ولدي صداقات متينة الصلة فيه. فضلاً عن أنني أهتمّ بكل ما يمسّه، هو البلد الذي يعاني… أحيّيه وأحيّي سمير قصير الذي دفع ثمن التزاماته غالياً”.
خالفت مؤسسة قصير تقاليدها، بحسب رئيستها الإعلامية جيزيل خوري، إذ انها لم تفتتح المهرجان هذه السنة بتوزيع الجائزة، بل افتتح الضيف المهرجان. و”قد طاردناه على مدى سنتين… ويشرّفنا أن نستضيفه في جامعة علّم فيها قصير لأكثر من عشر سنوات”.


اللقاء بالفرنسية أداره الكاتب شريف مجدلاني الذي شدّد على فرنكوفونية بن جلّون “كشكل من أشكال تكريم قصير الذي كان يفكّر بالعربية ويكتب بالفرنسية”. واستهل أسئلته بالتوقّف عند الربيع العربي الذي رأى بن جلّون أنه “توقّف في مكان ما، كما حصل في ليبيا وسوريا”. وقدّم مواطنيته على الكاتب الذي فيه: “أنا قبل أي شيء مواطن يجب عليه أن يحتكّ مع الواقع. كتبت لأنه كان يجب عليّ ذلك. واجب كل كاتب أن يشهد على ما يجري حوله. وأنا شهدت على طريقتي الخاصة”.
أما عن الثوّار فوصف ما قاموا به من خروج تلقائي إلى الشوارع للمطالبة بقيم حياتية بـ”الجديد والمميّز والتاريخي”. غير أن تلك الحركات الثورية “كانت مهّدت لها كتابات سمير قصير وغسان سلامه وسواهما من المفكّرين الذين أدّوا واجبهم في شجب الأوضاع العربية المزرية. غير أن أحداً منهم لم يتنبّأ بأن ثورة ما ستحدث… المصريون يدهشوننا كلنا. الثورة إذاً قد حصلت غير أنه يجب إعادة بناء الدولة التي هدمها الآخرون سابقاً. علينا انتظار جيل كامل كي يؤسس مجتمعاً ديموقراطياً كاملاً”.


وانتقل الحديث إلى الإسلاميين الذين “عظّمت الصحافة الغربية شأنهم محوّلة إياهم وحوشا مخيفة وخطراً داهماً على أوروبا. غير أن تاثيرهم ليس بهذا الحجم، بحسب ما أتاحت لي أسفاري أن أعاينه. أما في المغرب، فلا أنفي وجود إسلاميين. ما هو جدير بالإعجاب حقاً أن أياً من ثورتي تونس ومصر لم يكن فيها إسلاميون، لأن القطار كان قد فاتهم ولم يقلّهم”.
واستخلص بن جلّون، أننا “نشارك في بروز الكائن العربي المستقل بعدما غرق في الجماعية وسحقه المجتمع”.
إلى المغرب عاد في كلامه مستثنياً ملكيتها من الملكيات العربية المتسلطة: “الملك عندنا استبق الإصلاح. غير أن ما نشهده من ثورات هو للضغط أكثر كي تسلك هذه الإصلاحات طريق التنفيذ… ملك المغرب شخص محبوب جداً ومحترم ويعمل كثيراً”.
أما “الجارة” الجزائر، فرأى بن جلّون أن “وضعها معقّد جداً وصعب. إنها بلد ثري مع شعب فقير. الديموقراطية ستحلّ فيها يوماً، لكنها في الوقت الراهن مجمّدة إلى أبعد مدى”.


وتبقى العقلية العربية “عصية على فهم الأميركيين. فهي ما لا يدرَّس في الجامعات، بل ما يعلَّم عبر الانخراط في العيش جنباً إلى جنب العرب”. وعلّق على الديموقراطيات الغربية بأنها “منحرفة عن مجراها في بلدان كفرنسا وإيطاليا حيث برلوسكوني ينحرف بالديموقراطية ليلبّي حاجات أنانيته”. ووصف الأخير بـ”الظاهرة المرضية لأنه يمثّل ما يجب ألا يمثَّل”. الديموقراطية في رأي المحاضر “ثقافة، وهذا ما نفتقر إليه في عالما العربي. مع تحفّظي على كلمة عالم عربي. إذ انه غير موجود في نظري. ما يوجد هو مجموعة بلدان عربية تحاول الاصطفاف إلى جانب بعضها، في الوقت الذي لا تجمعها أمور كثيرة. أنا كمغربي كم أشعر بالغربة في السعودية مثلاً أو الكويت. فيهما لا أعثر على شيء من بلادي. فالعالم العربي مكوّن بما لا حصر له من الاختلافات، من اللغة التي تصير لهجات، إلى الدين الأديان. لا نملك التطلّعات نفسها، ولم نملك التاريخ نفسه… من هنا فإن الوحدة ليست سيئة، ولكنها تفتقر إلى الواقعية”.


وبروايتيه الأخيرتين خُتم اللقاء مع بن جلّون الذي قال عن روايته “بالنار” إنه رسم فيها بموضوعية حياة محمد بو عزيزي قبل أن تلتهمه نيرانه. أما روايته “الشرارة، ثورات في البلاد العربية” فعلّق عليها قائلاً: “وجدت مشقّة في دخول رأس حسني مبارك لأنني لم أفهم ما تحتويه هذه الجمجمة العملاقة حيث تنزّهت. مَن يخلط وطنه بمنزله هو حقاً كائن مريض بامتياز. ومِن شعر رأس مبارك المصبوغ دوماً ما يشير إلى  لااستقرار عاطفي وغياب الثقة بالنفس. فضلاً عن أن هذا الشعر يقول لي إن قائد الدولة ذاك لا يصلح لأفضل من هذا”. ووصف كتابه “الشرارة” بـ”التمرين الأدبي المشوّق”.

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads