صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

قراءة في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 62 لثورة الملك والشعب لسنة 2015

جسد الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس للأمة ،بمناسبة تخليد الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب المجيدة ،موضوعين هامين ،يرتبطان بالحياة المعيشية للمواطنين والمواطنات المغربيات :

الاستحقاقات الانتخابية ،والتحديات الأمنية .

في هذا السياق ،وانسجاما مع الخطب الملكية السامية ،اعتمد جلالته نفس الأسلوب لمخاطبة شعبه الوفي ،وهو ما أكده تميز خطاب هذه السنة بالصراحة والبساطة والكلام المباشر في معالجة هذين الموضوعين الراهنين.

وبما ان المناسبة شرط ،فان الخطاب الملكي السامي استحضر روح التضحية وقيم الوطنية الصادقة ،التي جسدها جيل التحرير والاستقلال ،والتي ما أحوج ما نكون اليها اليوم ،خاصة وأن بلادنا مقبلة على اطلاق ثورة جديدة ،انها الجهوية المتقدمة ،وما تقتضيه من استحقاقات انتخابية محلية وجهوية هامة .

بهذا الصدد تناول جلالة الملك محمد السادس في مستهل خطابه السامي الانتخابات المحلية والجهوية المقبلة. مخاطبا  جلالته كل فئات الشعب المغربي ،دون استثناء ،ولأن هذا الموضوع يهم كافة المغاربة ،فقد فضل جلالة الملك اعتماد أسلوب ديداكتيكي مبسط ،لرفع الخلط الذي يقع فيه المواطن العادي في علاقاته مع مؤسسات بلاده،وليفهم دور وتأثير كل مؤسسة على حدة في حياته اليومية .

والغرض من هذا التبسيط هو أن يعرف المواطن ،أينما كان ،وكيفما كان مستواه الدراسي والثقافي ،أهمية دوره في الظرفية الانتخابية الحالية ،والسلطة التي يتوفر عليها ،والتي  يجهلها عدد من المغاربة ،في اختيار الأشخاص الذين يشرفون على تسيير المؤسسات الوطنية .

ومن هذا المنطلق ،وسمو الكلمة الملكية لجلالة الملك محمد السادس ،فضل جلالته، أن يوضح  اختصاصات الحكومة ،المتمثلة في ضمان تنفيذ القوانين ،ووضع السياسات العمومية ،والمخططات القطاعية ،اضافة الى مراقبة عمل الحكومة ،كما أنها مسؤولة على الادارة وعلى تحسين الخدمات الادارية وتقريبها من المواطنين .

ومن هنا أوضح جلالته ، عكس ما يعتقد البعض ،فان المنتخب البرلماني لا علاقة له بتدبير الشؤون المحلية للمواطنين،كما هو الشأن للحكومة والبرلمان المؤسستين اللتين ليستا لهما علاقة مباشرة بالخدمات اليومية التي يحتاجها المواطن ،كما يروج لذلك البعض لخدمة أغراض معينة ،وانما هي من اختصاص مجالس الجماعات الترابية :البلديات ،والجماعات القروية ومجالس الجهات .

وافراطا في التبسيط ،ولرفع أي لبس أو خلط قد يكون شائعا ،أو مقصودا من بعض الأطراف ،فان جلالة الملك قدم أمثلة ملموسة لهذه الخدمات ،حيث يقول جلالته : “فوزير الطاقة ليس مسؤولا عن الادارة في الأحياء وربط المنازل بشبكات الكهرباء …كما أن نظافة الشوارع والأحياء ليست من مهام وزير الداخلية …واصلاح الطرق داخل الجماعة ،وتوفير وسائل النقل الحضري ليس من اختصاص وزير التجهيز والنقل .

وبعد توضيحات جلالته ،وسمو القيم الانسانية لسموه ،شرح مهام واختصاصات كل مؤسسة ،لأن السبب الذي يجعل عددا من المواطنين لا يشاركون في الانتخابات ،هو استياءهم وعدم رضاهم عن بعض المنتخبين ،الذين لايقومون بواجبهم على الوجه المطلوب.

ومن خلال هذا ،يلمس المواطنين تشخيص جلالته عمق وجوهر المشكل ،لأن بعض” المنتخبين يظنون أن دورهم يقتصر على الترشح فقط ،وليس من أجل العمل…”مما يوحي أنهم مجرد كائنات انتخابية ،بمجرد ما يفوزون بمقعد لتمثيلية محلية للمواطنين يختفون بعد الفوز في الاقتراع ،وطيلة مدة انتدابهم ،ولا يظهرون الا مع الانتخابات الموالية ،وتلكم من بين العناصر التي تسيء الى صورة الديمقراطية المحلية ،وتتعطل مصالح المواطنين والمواطنات ،وتعرقل مسار البناء لمواكبة الركب الذي تسير عليه البلاد ان على المستوى الاجتماعي ،الاقتصادي أو السياسي .

وفي واقع الأمر ،فان الصواب هو ما يؤكده جلالة الملك حينما شدد على : “أن المنتخب كالطبيب والمحامي والمعلم والموظف وغيرهم ،ممن يقدمون رسالتهم ومهمتهم ،وواجباتهم بالعمل كل يوم ،والحضور في الموعد ،بل عليه – أي المنتخب- أن يعمل أكثر منهم ،لأنه مسؤول على مصالح الناس ،ولا يعمل لحسابه الخاص”.

وبما أنها أول استحقاقات محلية في ظل الدستور الجديد ،الذي يخول للمجالس الجهوية اختصاصات واسعة ،تجعل منها “شبه حكومات محلية” ،فقد ارتاى جلالته – ملك المغرب – من خلال التصويت حق وواجب وطني ،وأمانة ثقيلة يجب أداؤها .وهي وسيلة و بين أيدي المواطنين لتغيير طريقة التسيير اليومي لأمورهم ،أو لتكريس الوضع القائم ،داعيا اياهم لتحكيم ضمائرهم وحسن اختيار منتخبيهم …

ويعود جلالة الملك محمد السادس بصفة جلالته الضامن لاستقرار البلاد ،ومحافظا على المصالح العليا لشعبه ،تحدث بأسلوب التعبئة وبروح المسؤولية الوطنية ،ليحدد –جلالته- الصفات التي يجب أن تتوفر في المرشح المؤهل لتدبير الشأن العام المحلي أو الجهوي ،موجها الناخبين للتصويت  على “المرشح الذي تتوفر فيه شروط الكفاءة والمصداقية والحرص على خدمة الصالح العام …”،وليس المرشح الذي لا يعرف سوى الاكثار من الكلام ورفع صوته بالشعارات الفارغة ،أو ذلك المرشح الذي يريد شراء الأصوات ببعض الدراهم والوعوذ الكاذبة …

ومن هنا جاءت فرحة جلالته ،وتفاؤله بالتعبير عن ارتياحه لارتفاع عدد المسجلين لأول مرة في اللوائح الانتخابية ،الا أنه يشاطرهم حيرتهم ،لأن أغلبهم يترددون في اختيار المرشح الذي سيحظى بثقتهم ،وهنا يؤكد جلالته على دور المرشحين الذين عليهم اقناع هذه الفئة بجديتهم وببرامجهم وحسن التواصل معهم لكسب أصواتهم …

وجلالته ،وجه اشارات لها دلالتها ورمزيتها منها توجيهات للأحزاب والمرشحين: الهدف لا ينبغي أن يكون هو الحصول على المناصب ،وانما يجب أن يكون من أجل خدمة المواطن فقط ،وهي دعوة صريحة للتنافس في اختيار أحسن المرشحين ،وتقديم أفضل البرامج …

ومنها تحميل جلالته المسؤولية لفعاليات المجتمع المدني والمنظمات النقابية ب: ضرورة الانخراط بقوة في تعبئة وتشجيع المواطنين على المشاركة في التصويت ،وتوعيتهم بأهمية دورهم في هذه الانتخابات .

ويخلص جلالة الملك محمد السادس الى ان السلطة التي يتوفر عليها المواطن –الناخب- للحفاظ على مصالحه ،وحل بعض مشاكله ،ومحاسبة وتغيير منتخبيه ،تتمثل في كلمة واحدة “صوت”.

فيما يتعلق بالتحديات الأمنية التي يواجهها المغرب :

وأهم ما ميز هذا الخطاب الملكي السامي ،أنه سار في نفس الواقعية والموضوعية ،وبنفس الجرأة والمسؤولية ،وحيث جاء الجزء الثاني من الخطاب الملكي السامي ،بموضوع التحديات الأمنية التي يواجهها المغرب ،في ظل التطورات الدقيقة التي يعرفها العالم ،والمنطقة العربية والمغاربية ،بصفة خاصة ،بسبب تنامي نزوعات التطرف باسم الدين ،وتزايد عصابات الارهاب ,

وجلالته في هذا الموضوع ،انطلق من بعض البديهيات : أن الارهاب لا دين له ولا وطن ،وأنه ليس هناك أي بلد في منأى عن التهديدات الارهابية .

لذلك ،يقول جلالته ،فقد انخرط المغرب في الجهود الدولية لمحاربة هذه الآفة العالمية ،كما يعمل على الصعيد الوطني ،وفق مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد ،على محاربة أسباب التطرف والإرهاب .

في هذا الصدد ،يقول –جلالة الملك محمد السادس- أن انعدام الاستقرار الذي تعيشه بعض دول المنطقة ،دفعت المغرب الى اتخاذ بعض الاجراءات الاحترازية ،لظروف قاهرة ،تتعلق بحماية أمنه واستقراره .

وهنا يوضح جلالته أن المغرب قد اضطر الى فرض التأشيرة على مواطني هذه الدول ،وخاصة من سوريا وليبيا ،مجددا جلالته عن تضامن المغرب مع شعوبها .

وقطعا ،لأي مزايدات بخصوص حماية أمن واستقرار المغرب ،فقد عبر جلالة الملك ،بصفة المؤتمن على أمن واستقرار البلاد ،بأنه لن يسمح بأي تلاعب أو تهاون في حماية المغرب والمغاربة .

وفي هذا الاطار ،فقد عمل المغرب على صيانة أمنه ،واستكمال تأمين حدوده ،أكدها جلالته من خلال اطمئنان جميع المواطنين بأن المغرب قد استطاع والحمد لله ،بفضل تضافر جهود كل الأجهزة والقوات المعنية ،خلال السنتين الأخيرتين ،من تامين كافة حدوده ،كما سيواصل جهوده ،بكل يقضة وحزم ،من أجل منع أي كان من الدخول أراضيه بطريقة غير شرعية.

ومن منطلق تضامن جلالة الملك محمد السادس الانساني ،مع كل الذين دفعت الظروف الى مغادرة بلدانهم ،والتوجه نحو المغرب ،يتأسف جلالة الملك لحال أولائك الذين أصبحوا يتسولون من أجل لقمة العيش.

ومن هنا تبرز انسانية ملك ،من خلال حث جلالته المغاربة على معاملتهم كضيوف ،وليس كلاجئين ،كما عبر عن ثقته بأن المغاربة يشاطرونهم معاناتهم ،ولا يبخلون عليهم قدر المستطاع .

وفي المقابل ،فقد شدد جلالته على ضرورة التزام هؤلاء “الضيوف” بالقوانين المغربية ،وباحترام مقدساته الدينية والوطنية ،وفي مقدمتها المذهب السني المالكي.

وكما هو معمول به في المغرب ،وفي مختلف دول العالم ،فقد حذر جلالة الملك بأن أي خرق القوانين والضوابط الجاري بها العمل في المغرب ،سيعرض صاحبه للترحيل خارج الحدود ،وذلك دون الاخلال بالمتابعات القضائية ،ان اقتضى الأمر ذلك .

وهنا يقصد جلالته على الخصوص ،أولائك الذين دخلوا المغرب كلاجئين ،ولكنهم جاءوا لخدمة أجندات أجنبية ،سواء من خلال محاولة اثارة الفتنة في المساجد وخارجها ،أو أولائك الذين ينخرطون في عصابات الاجرام والارهاب.

وفي كل الظروف والأحوال ،فان جلالة الملك يؤكد أن المغرب سيظل أرضا لحسن الاستقبال ،ولن يكون أبدا أرضا للجوء.

وبكل واقعية وموضوعية ،يضيف جلالة الملك ،بأن للمغرب أولوياته والتحديات التي تواجهه ،من أجل تمكين المواطن المغربي من ظروف العيش الكريم ،ولن يضيع الوقت والامكانات من أجل حل مشاكل الآخرين .

وختم جلالته بهذه المناسبة ،وتقديرا للجهود التي تبذلها الأجهزة والمصالح الأمنية ،ومختلف القوات المعنية بحفظ أمن واستقرار البلاد ،فقد أبى جلالة الملك الا أن يخصها بالاشادة والتقدير ،ليقضتها وتجندها في صيانة أمن المغرب.

وفي الختام ،وادراكا من جلالته لدور المواطن في حفظ الأمن والاستقرار ،فقد أكد جلالته بأن الأمن هو مسؤولية الجميع : الدولة ومؤسساتها وجميع الفاعلين والمواطنين ،في اطار من التنسيق التكامل مع الأجهزة المختصة .

كما ذكر جلالته بالمقاربة المغربية في هذا المجال ،والتي تقوم على تعزيز قيم الانفتاح والتسامح ،التي يؤمن بها المغاربة ،وعلى تكامل الجانب التنموي والاجتماعي ،مع البعد الديني والتربوي ،فضلا عن الجانب الأمني…  

 

 

معاريف بريس

www.maarifpress.com

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads