صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

الحسيمة تحظى بعناية ملكية خاصة

حضـرات السيـدات والسـادة،

يطيـب لنـا أن نتـوجـه إليكـم فـي افتتـاح هـذه النـدوة الـدوليـة، حـول » التـراث الثقـافـي بالـريـف: أيـة تحـافـة ؟ « التـي أضفينـا علـى انعقـادهـا بمـدينـة الحسيمـة رعـايتنـا السـاميـة ؛ لمـا نـوليـه مـن أهميـة بـالغـة لحمـايـة الـرصيـد الثقـافـي والتـاريخـي والتـراثـي، الـذي تـزخـر بـه منطـقـة الـريـف، ومـدينـة الحسيـمـة الأثيـرتـيـن لـدينـا، واللتيـن يحظـى أهلهـا الأشـاوس بسـامـي عنـايتنـا، وسـابـغ عطفـنـا.

ونـود، بـدايـة، التـرحيـب بالمشـاركـات والمشـاركيـن فيهـا، مـن بـاحثيـن مرمـوقيـن فـي مجـالات التـاريـخ والآثـار والتـراث والتحـافـة، وممثلـيـن عـن المـؤسسـات الـوطنيـة والهيـئـات العلميـة، وكـذا فعـاليـات المجتمـع المـدنـي، المعنـيـة بتبـادل الـرأي، بخـصـوص المـواضـيـع المـدرجـة فـي جـدول أعمـال هـذا الملتـقـى العلمـي الهـام.

وإن تنظيـم هـذه النـدوة مـن طـرف المجلـس الـوطنـي لحقـوق الإنسـان، بشـراكـة مـع المجلـس الجمـاعـي لمـدينـة الحسيمـة، ومجلـس جهـة تـازة – الحسيمـة – تـاونـات،  وبـدعـم مـن مجلـس الجـاليـة المغـربيـة بـالخـارج، والمعهـد الملكـي للثقـافـة الأمـازيغيـة، والمعهـد الـوطنـي لعلـوم الآثـار والتـراث، وكـذا فعـاليـات خـارجيـة مـؤهلـة، يضفـي عليهـا بعـدا حقـوقيـا هـامـا، يـؤسـس للـدور الـرائـد، الـذي يقـوم بـه المجلـس، الـذي تـم الارتقـاء بـه إلـى مـؤسسـة دستـوريـة، وذلـك فـي إطـار الاختيـار الديمقـراطـي الـوطنـي، والمـرجعيـة الكـونيـة، التـي اعتمـدناهـا لحمـايـة حقـوق الإنسـان، والنهـوض بهـا ببـلادنـا.

وفـي هـذا الصـدد، نـود التنـويـه بالجهـود الـدؤوبـة، التـي مـا فتـئ يبـذلهـا المجلـس الـوطنـي لحقـوق الإنسـان، بتعـاون مـع شركـائـه، لمـواصلـة تفعيـل تـوصيـات هيـأة الإنصـاف والمصـالحـة، بمسـاراتهـا المتعـددة، وبخـاصـة فـي شقهـا المتعلـق بجبـر الضـرر الجمـاعـي، ومجـال التـاريـخ وحفـظ الـذاكـرة، والتـي تكتسـي أهميـة بـالغـة فـي تعـزيـز النمـوذج المغـربـي المتميـز. ذلكـم النمـوذج المشهـود لـه بالـريـادة، جهـويـا وعـالميـا، فـي مجـال العـدالـة الانتقـاليـة، الهـادف لتحقيـق الإنصـاف والمصـالحـة.

وهنـا نـؤكـد علـى ضـرورة إيـلاء مـا يلـزم مـن الاهتمـام، لحفـظ الـذاكـرة الجمـاعيـة للمغـاربـة، بـاعتبـارهـا لبنـة أسـاسيـة علـى درب استكمـال بنـاء المجتمـع الديمقـراطـي، الـذي نعمـل جميعـا علـى تـوطيـد أركـانـه، وصيـانـة مكتسبـاتـه، بمـوازاة مـع تـدعيـم مصـالحـة المغـاربـة مـع تـاريخهـم، وتجـاوز شـوائـب المـاضـي، تحصينـا لحاضـرهـم، ومـواصلـة لانخـراطهـم، بعـزم وثبـات، فـي ورش الإصـلاح الديمقـراطـي والتنمـوي الشـامـل، الـذي أطلقنـا مسـاره بـإقـرار الشعـب المغـربـي، باستفتـاء حـر ونـزيـه، للـدستـور الجـديـد للمملكـة، المتقـدم والديمقـراطـي فـي منهجيتـه وإعـداده وجـوهـره، والـذي “صنعـه المغـاربـة مـن أجـل جميـع المغـاربـة”.

وممـا يضفـي علـى نـدوتكـم طـابعـا خـاصـا، أنهـا تلتئـم بعـد إحـداث مـؤسسـة أرشيـف المغـرب، التـي ننتظـر منهـا النهـوض بمهمـة صيـانـة التـراث والأرشيـف الـوطنـي، وحفظـه وتنظيمـه ؛ بـاعتبـاره ملكـا ثقـافيـا لجميـع المغـاربـة ؛ داعيـن كـل الفـاعليـن المعنييـن لتكثيـف جهـودهـم، لتمكيـن هـذه المـؤسسـة الجـديـدة، مـن القيـام بـالـدور المنـوط بهـا، علـى الـوجـه الأكمـل ؛ بمـا يجعـل أرشيفنـا الـوطنـي يعكـس العمـق التـاريخـي والحضـاري للمغـرب.

حضـرات السيـدات والسـادة،

إننـا لـواثقـون أن نـدوتكـم هـاتـه، بمـا تضمـه مـن بـاحثيـن وخبـراء مـرمـوقيـن، مـن داخـل الوطـن وخـارجـه، ستسـاهـم فـي تكـويـن رؤيـة علميـة موضـوعيـة، ودعـم المعـرفـة الرصينـة، بتاريـخ منطقـة الريـف وتـراثـه العـريـق ؛ باعتبـاره أحـد المكـونـات الأصيلـة للهـويـة المغـربيـة المـوحـدة، الغنيـة بتعـدد روافـدهـا.

فقـد ظلـت هـذه المنطقـة تشكـل مجـالا للتـواصـل والتفـاعـل مـع الفضـاءات  المغاربيـة والأورو- متـوسطيـة والمشرقيـة والإفريقيـة؛ ممـا جعلهـا تكتسـب شخصيـة هويـاتيـة متميـزة، تجمـع بيـن المقـومـات الثقـافيـة المحليـة، وتلـك الـوافـدة عليهـا مـن الجهـات الأخـرى.

كمـا أن الأبحـاث والدراسات العلميـة، التـي سيتـم تقـديمهـا فـي هـذا الملتقـى، والمتعلقـة بمختلـف الفتـرات التـاريخيـة لمنطقـة الـريـف، منـذ العصـور القـديمـة إلـى الفتـرة المعـاصـرة ؛ وكـذا مظـاهـر التـراث الثقـافـي المـادي، مـن معـالـم أثـريـة، ومبـان ومـواقـع ذات أبعـاد تـاريخيـة وروحيـة، وإبـداعـات المهـارات المحليـة ؛ بالإضـافـة إلـى تجليـات التـراث غيـر المـادي، كالمـوسيقـى والغنـاء والعـادات والتقـاليـد وغيـرهـا. فكلهـا مقـومـات ستشكـل الأسـاس المتيـن لإقـامـة متحـف خـاص بهـذه المنطقـة.

وإننـا لنتطلـع لأن يكـون هـذا المتحـف فـي مستـوى العطـاء التـاريخـي المتميـز لنسـاء ورجـال الـريـف الأبـاة. كمـا نتـوخـى أن يشكـل فضـاء يسـاهـم، مـن خـلال بـرامجـه وأنشطتـه، فـي تجميـع المعطيـات العلميـة، المتعلقـة بالتـراث المـادي وغيـر المـادي لمنطقـة الـريـف، وتحسيـس مختلـف الفـاعليـن المعنييـن بقطـاع التـراث الثقـافـي، والمـؤسسـات التـراثيـة، ووكـالات التنميـة، والهيئـات المنتخبـة، ومنظمـات المجتمـع المـدنـي، بـأهميـة المـوارد الثقـافيـة المحليـة، ودورهـا فـي النهـوض بـالتنميـة.

كمـا ننتظـر مـن هـذا المشـروع أن يسـاهـم فـي تعميـم المعـرفـة التـاريخيـة بـالمنطقـة، خـاصـة لـدى الفئـات الشـابـة والأجيـال الصـاعـدة، وجعلهـم يتملكـون تـاريخهـم العـريـق، وتـراثهـم الثقـافـي الغنـي، بكـل فخـر واعتـزاز.

وإننـا لنـأمـل أن يسـاهـم هـذا المتحـف فـي بلـورة نمـوذج يقتـدى بـه، بـالنسبـة لجهـات ومنـاطـق أخـرى مـن المملكـة، خـاصـة وأن الجهـويـة المتقـدمـة، بجـوهـرهـا الديمقـراطـي والتنمـوي والتضـامنـي، التـي كـرسهـا الـدستـور الجـديـد، تـقـوم عـلى تـرسيـخ الديمقـراطيـة التـرابيـة والتشـاركيـة والمـواطنـة، وتـوطيـد العمـق الثقـافـي والتـاريخـي لمختلـف منـاطـق بـلادنـا، والنهـوض بخصـوصيـاتهـا الجهـويـة والمحليـة، فـي إطـار المغـرب المـوحـد للجهـات، بمـا ينطـوي عليـه مـن إصـلاح وتحـديـث لهيـاكـل الـدولـة، وحكـامـة جيـدة، قـائمـة علـى تـوزيـع أمثـل للاختصـاصـات بيـن المـركـز والجهـات، فـي نطـاق ديمقـراطيـة القـرب، التـي تمكـن كـل جهـة مـن استثمـار طاقـاتهـا، وإبـراز عبقـريتهـا وشخصيتهـا المتميـزة، المنصهـرة فـي بـوتقـة الهـويـة المغـربية المـوحـدة ؛ وذلـك وفـق منهجيـة علميـة رصينـة.

وفـي هـذا الإطـار، نـدعـو مـؤسسـات البحـث العلمـي الـوطنيـة والبـاحثيـن، وخـاصـة منهـم المـؤرخيـن وعلمـاء الآثـار، والمتخصصيـن فـي علـوم التـراث، أن يكـرسـوا المـزيـد مـن الجهـد والاهتمـام، للبحـث فـي تـاريـخ وتـراث مختلـف جهـات المملكـة، بشكـل يمكـن مـن تـوسيـع المعـرفـة العلميـة بالـرصيـد التـاريخـي والتـراثـي لكـل جهـة ؛ مهيبيـن بهـم للعمـل علـى نشـر نتـائـج أبحـاثهـم العلميـة، وتعميمهـا علـى أوسـع نطـاق، وجعلهـا فـي متنـاول البـاحثيـن والمهتميـن وعمـوم المـواطنيـن.

ولا يفـوتنـا فـي نفـس السيـاق، أن نحـث مختلـف الجمـاعـات التـرابيـة والهيئـات المنتخبـة، علـى إيـلاء المـوارد الثقـافيـة والتـراثيـة، الجهـويـة والمحليـة، مـا تستحقـه مـن عنـايـة واهتمـام، باعتبـارهـا ملكـا للمغـاربـة قـاطبـة، وجـزءا لا يتجـزأ مـن رصيـدهـم الحضـاري العـريـق.

وختـامـا، فـإننـا إذ نعـرب عـن إشـادتنـا بـالجهـود الخيـرة، التـي بـذلتهـا المـؤسسـات والفعـاليـات المنظمـة، وخـاصـة رئيـس المجلـس الوطنـي لحقـوق الإنسـان وأمينـه العـام، وكـذا المشـاركيـن، بمختلـف تخصصـاتهـم ومشـاربهـم، فـي هـذه النـدوة الهـامـة، نجـدد التـرحيـب بكـم، متمنيـن لكـم طيـب المقـام بمـدينـة الحسيمـة الجميلـة، جـوهـرة المتـوسـط، التـي تحظـى تنميتهـا، وتبـويئهـا المكـانـة الجـديـرة بتـاريـخ منطقتهـا، وبمـوقعهـا المتميـز، وبـأهلهـا الأعـزاء، بمـوصـول رعـايتنـا.

والله تعـالـى نسـأل أن يـوفقكـم، ويسـدد خطـاكـم، ويكلـل أعمـالكـم بكـامـل النجـاح.

والسـلام عليكـم ورحمـة الله تعـالـى وبـركـاتـه.

وحـرر بالقصـر الملكـي بتطـوان فـي يـوم الثـلاثـاء 10 شعبـان 1432 هـ، المـوافـق 12 يـوليـوز 2011 م.

محمـد السـادس

مـلك المغـرب

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads