صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

نساء “آيت جهرة” ، نموذج معاناة المرأة المغربية

في سبعينيات القرن الماضي كان عدد عائلات قرية آيث جهرة أزيد من خمسامئة عائلة ، هكذا قال لنا أحد شيوخها متحسراً على تراجع عدد الساكنة الذي لا يعدو اليوم ستون عائلة وذلك بسبب الهجرة نحو المدن وأوربا ، هذه الإحصائيات لم تأتي من فراغ بل هي أعداد دقيقة حسب طريقة متبعة بالريف يمكن من خلالها معرفة عدد الساكنة و هو ما يعرف بنظام ” النوبة ” حيث تقوم كل أسرة بإعطاء إمام المسجد طعامه ليوم واحد وينتقل الإطعام من منزل لآخر في قائمة مكتوبة إلى أن يطاف بكل منازل القرية ، وهذا نموذج للتكافل الإجتماعي الذي حافظ عليه الساكنة لقرون طويلة .

لابد وأنت متجه لآيث جهرة أن تكون برفقة شخص من أهالي القرية ليقنعك بأنك حقاّ متجه لبلدة مؤهولة ، لأن ما بين آيت جهرة وبين أقرب مركز لها وهي جماعة أربعاء تاوريرت كيلومترات من المسالك الوعرة الخالية بين وديان و جبال شاهقة وغابات الصنوبر الممتدة بجماعتي شقران وأربعاء تاوريرت ، لم نكن نتخيّل ونحن نعد لزيارة لهذه البلدة في إطار أنشطة المجلس بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أن تأخذ منا الرحلة أزبد من عشر ساعات ذهابا وإيابا ، استغرقنا من الحسيمة إلى أربعاء تاوريرت حوالي ساعة ونصف لنجتاز حوالي خمسين كيلمترا  لكن هذه المسافة أسهل ما في الرحلة فالأصعب ينتظرنا ، نزلنا بسوق أربعاء تاوريرت الذي يبدو على طراز أسواق القرون الوسطى تستقبلك عند مدخله قلعة كبيرة تعود لقرون خالية ، السوق الأسبوعي الوحيد الذي يقصده الأهالي لشراء ما يحتاجونه لأسبوع كامل ، وبه يمكن أن تجد أحد أكبر أسواق التين بالمغرب حيث تعرف المنطقة بغناها بأشجار التين واللوز و الزيتون ، حين تجولنا بالسوق بدأت تحوم حولنا وجوه رجال السلطة المحلية التي استغربت تواجدنا ، لم نفهم ما يدور حولنا آنها ، اتصلنا بالزميل محمد الحمديوي عضو بجمعية حمائم شقران الذي نسقنا معه للزيارة ليرافقنا نحو بلدة “آيت جهرة” الذي كان ينتظرنا بدوره ، وسيلة النقل الوحيدة المتوفرة هي سيارة كبيرة مخصصة لنقل البضائع ، لتنقلنا مسافة سبعة عشر كيلمتراً ، بدأت الإنطلاقة حوالي الحادية عشرة صباحا ، لحسن الحظ أن مرافقنا حجز لنا مقاعد أمامية مبكراً ، انطلقت السيارة لتجتاز مسلكا وعراً وسط الجبال في طريق صخرية وترابية غير معبدة مملوؤة بالمنعرجات والحفر والأحجار الساقطة من قمم الجبال والتي تزداد صعوبتها كلما هطلت الأمطار ، ترتفع السيارة أحيانا وتنخفض أخرى ، حقا إنها رحلة شاقة لم نتعودها ، قلت لبعض الركاب هل هذه هي طريقة تنقلكم من وإلى “آيت جهرة” دائما ؟ ، قالوا : نعم ولا خيار آخر ، قطعنا بصعوبة بالغة سبعة عشر كيلمترا إلى أن بدت لنا القرية ، وصلنا في تمام الثانية عشرة والنصف وعلامة الإرهاق تبدو على محيانا نزلنا من السيارة بمركز القرية ، تجمع بعض الأهالي حولنا وجلس آخرون يراقبوننا من بعيد ، اتجهنا برفقة مستضيفنا محمد الحمداوي لنستريح قليلا ، منزل قروي تقليدي كحال قرى الريف ، مكثنا مدة تنجاذب أطراف الحديث حول أوضاع القرية ومشاكل الرحلة إلى أن يحين موعد حضور نساء القرية للمركز النسائي ، ما إن التقطنا أنفاسنا حتى تفاجئنا بعدة اتصالات تنهال علينا من رجال السلطة المحلية والمنتخبين المحليين ، كلّم الزميل عبد الله أشهبار المتصل وكان نائب قائد السلطة المحلية ، استوضح منا سبب تواجدنا بالمنطقة ، فشرح له الزميل عبد الله أشهبار سبب تواجدنا وأنه لا يعدو زيارة في إطار العمل الجمعوي ، لكن هذا لم يقنع المسؤولين لتزداد عدد الإتصالات و مراقبة تحركاتنا ، في تمام الواحدة والنصف توجهنا للمركز النسائي الإجتماعي الذي يبدو وسط القرية بناية ضخمة أمام المنازل الأرضية القروية هنا اجتمعت بعض نساء القرية وهو الوقت المعتاد لتواجد منخرطات المركز فيه ، كان الأهالي يحيوننا باستمرار ويبدون ترحيبهم بمبادرتنا هذه ، جلسنا إلى مجموعة من الفتيات الآتي يواضبن على زيارة المركز و الإستفادة منه ، لم نتوقع أن تنخرط النساء معنا في الحديث بهذه الطلاقة ، كن سعيدات بالتعبير عن طموحاتهن و ما يعانين منه ، لا تخفي إشراقة وجوههن قساوة الدهر عليهن ، فأغلب نساء البلدة يشتغلن أكثر من الرجال حيث يقمن مع بزوغ الفجر للقيام بأعباء البيت، هكذا قالت ن . ع 27 سنة ، وتضيف أخرى رفضت التعريف باسمها : الرجال يستيقظون ليجدوا كل شيئ معداً ، هكذا يتقاسم رجال ونساء آيت جهرة المهمة ، فالرجال مهمتهم الفلاحة وسقاية الأراضي وجني الثمار ، ولا يقل دورهم عن دور المرأة ، في تكافل إجتماعي منقطع النظير .

 أغلب أحلام نساء البلدة لا يخرج عن رغبتهن في العيش الكريم كأي نساء الريف المغربي ، تقول م ع 18 سنة : نحن نحتاج لمدرسة إعدادية بالبلدة ومستشفى يكون به ممرضون مداومون ، فعائلاتنا لا تسمح لنا بمتابعة الدراسة في أربعاء تاوريرت التي تبعد حوالي 20 كلمتر ، قاطعتها أخرى : حتى لو سمحوا لنا فلا يوجد مأوى بإعدادية أربعاء تاوريرت خاص بالفتيات ، وهذا ما يضطر أغلب فتيات القرية لترك الدراسة مبكراً.
تحدث الفتيات التي يتراوح أعمارهن بين 17 و 30 سنة عن أعمالهن بالمركز وما يقمن به من أعمال الخياطة والطرز والنسيج ، عدد المنخرطات أزيد من ستين مستفيدة ، لكن هذا غير كاف فأغلب النساء لا يحضرن للمركز ، استفهمنا السبب فقالت ر ب 28 سنة : إن ثقافة أهل البلدة تجعلهم يرون فيما نقوم به هنا مضيعة للوقت لأنهم يرون أن مهمة المرأة لا تعدو الزواج و القيام بأعباء المنزل ، قلت هذا نتيجة تراكمات الماضي فلو تعلمت الأمهات لعرفن قيمة تعيلم بناتهن ، فلا يوجد إمرأة متعلمة بالبلدة إذ أن المدرسة شيئ حديث على القرية .

الوضع المزري للبلدة لم يتغير منذ عقود بل إن الهوة تزداد كلما امتد الزمن ، كنا متحرجين لطرح سؤال عن اليوم العالمي للمرأة لأننا شبه متأكدين أن هذه البلدة ليس فيها أي مظهر من مظاهر الإحتفاء بالمرأة ، تقدم عبد الله أشهبار بطرح السؤال : ماذا تعرفن حول اليوم العالمي للمرأة ؟ ، تفاجئنا أن هناك أجوبة لهذا السؤال من طرف فتاتين بالمركز ، سمعن به من خلال الراديو ، قالت : ك ح ، إنه يوم 8 مارس حيث يحتفون به بالمرأة ، لكنه لا يعنينا بشيئ فنحن خارج هذا العالم ، قالت ف ب : لا علاقة لنا بهذا اليوم فلا أنشطة ولا حملات بالبلدة من طرف المسؤولين للتعريف بهذا اليوم .

بعد حوار رائع لنصف ساعة والذي تخلله إتصالات لمسؤولي السلطة المحلية لمراقبة عملنا قمنا بجولة في جنبات المركز الذي يضم قسما لتعليم الكتابة والقراءة للراغبات بمحو الأمية لكنه متوقف عن العمل منذ أزيد من سنة بسبب غياب أي مواكبة من وزارة التربية الوطنية ووجدنا مرفقاً إستشفائيا تابعا لوزارة الصحة لا يفتح منذ سنوات ، تحدثنا إلى مسؤولي جمعية حمائم شقران المكلفة بتسيير المركز وهي الوحيدة الجمعية الموجودة بالقرية وعن دورهم بالبلدة التي يبذل أعضاءها مجهودا مشكوراً لخدمتها تواعدنا على تبادل الزيارات والخبرات و أننا سنعمل لأجل تقديم كل ما يمكننا كمجلس للقيادات الشابة بالحسيمة لأهالي آيت جهرة بما فيها إجراء تكوينات لفائدة منخرطات ومنخرطي الجمعية ، وقدمنا لهم الشكر الكبير على استقبالهم لنا .
غادرنا القرية مشيا على الأقدام رغم إلحاح الأهالي على استضافتنا للمبيت عندهم ، لكن قررنا أن نستمتع بالمشي لاستكشاف المنطقة وتضاريسها الوعرة و مناظرها الخلابة وبعد ساعات من المسير التقينا بسيارة لنقل البضائع وافق صاحبها على حملنا مشكوراً نحو أربعاء تاوريرت ووصلنا للحسيمة وكلنا أمل أن نعود لتلك البلدة مرة أخرى وقد تغيّر حالها للأفضل ليكون للمرأة وللرجل الحق في العيش الكريم ورفع العزلة والتهميش عنهم وعن كل مناطق الريف بالمغرب الحبيب
.

 www.maarifpress.com

إعداد : المرتضى إعمراشا / عبد الله أشهبار .

مجلس القيادات الشابة بالحسيمة

منظمة البحث عن أرضية مشتركة بالمغرب

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads